الأحد، 28 ديسمبر 2014

القياس والسماع في كتاب "معاني القرآن" للفراء. سورة البقرة نموذجا

إعداد:  رشدي السعيد
شخصية الفراء شخصية متفردة ومتميزة، ولا شك أن هذا التميز لن يتبدى بغير الوقوف على بعض مظاهر منهجه الفكري، ومقاربة موضوع السماع والقياس تحيلنا على جانب من جوانب شخصيته الفكرية ومنهجه وطبيعة المقاربة اللغوية التي انتهجها في تناول النص القرآني، كما تحيلنا على طبيعة حضور اللغة في كتابه "معاني القرآن".
                              I.            في مفهوم السماع والقياس
ü    في مفهوم السماع:
جاء في "الاقتراح" للسيوطي [1]أن السماع "هو ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته؛ فشمل كلام الله تعالى، وهو القرآن ، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، وكلام العرب قبل البعثة وفي زمنه وبعده." ويتفرع عن هذه الأصول خمسة مصادر أساسية، هي التي تسمى مصادر السماع، وهي: القرآن الكريم، القراءات القرآنية، الحديث النبوي، النثر والشعر في زمن وحيز معينين .
ü    في مفهوم القياس:
جاء في الاقتراح [2]عن ابن الأنباري أن القياس هو: "حمل غير المنقول على المنقول، إذا كان في معناه" .
وفيه قال ابن الأعرابي كذلك: "النحو علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، فمن أنكر القياس فقد أنكر النحو".
وقبل عرض نماذج تطبيقية من كتاب الفراء لابد من الإشارة إلى الاختلاف في منهج المدرستين البصرة والكوفة؛ فالبصريون يقيسون على المسموع إذا كان كثيرا، ويتسعون فيه، ويتورعون في الأخذ عن الأعراب ، ولا يقيسون على القليل كما هو حال الكوفيين، أما الكوفيون فقد يقيسون على الشاهد الواحد.  فالقياس إذن مقدم على السماع عند البصريين، والسماع مقدم على القياس عند الكوفيين، وأود الإشارة إلى تداخل السماع بالقياس؛ إذ يعتمد كل واحد منهما على الآخر، ولا بد من التفريق بينهما انطلاقا من كون القياس عملية عقلية تربط حكم المسألة اللغوية، التي يمكن اعتبارها فرعا، بأصل في الحكم لوجود علة مشتركة، ومن أمثلة ذلك سنعرض مسألة الزنبورية اختصارا :"كنتُ أظنُّ أن العقرب أشد لسعة من الزُّنبور فإذا هو هي أو فإذا هو إياها "
قال سيبويه : فإذا هو هي ولا يجوز النصب .
فقال له الكسائي لحنت ليس هذا من كلام العرب, والعرب ترفع ذلك كله وتنصبه.
فدفع سيبويه قول الكسائي، ولم يقبل به .فقال يحيى بن خالد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما، فمن ذا يحكم بينكما؟ فقال الكسائي: هذه العرب ببابك قد اجتمعت من كل صوب وهم فصحاء الناس , يُحضرون فيُسألون، فقال يحيى: قد أنصفت , فأمر أن يُحضروا، فدخلوا وسئلوا عن المسائل، ووافقوا الكسائي .

       وما يمكن استنتاجه أن سيبويه اعتمد القياس في المسألة؛ باعتبار ورود مثل هذه الحالة في القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة الأعراف الآية 107: "فألقى عصاه فإذا هي ثعبانُُ ونزع يده فإذا هي بيضاءُ"؛ لأنه ألحق المسألة اللغوية بالآية في الحكم الإعرابي "الرفع" لتشابه العامل أو العلة في المسألة والتي هي الإسناد، (العامل هو العلة وبحث في العلة، والعامل في المعمول كالعلة العقلية في المعلول) فرفع الخبر "ثعبان" و"بيضاء" تم على الابتداء، وهو ما حصل في الجملة/المسألة، أما استناد الكسائي إلى حكاية الأعراب فهو سماع، ونلاحظ كيف تم التوسع فيه؛ لأن أعراب الكوفة لا يعتد بهم في الاستشهاد عند البصريين.

هكذا نستنتج أن السماع لا بد منه في القياس، والقياس لا بد فيه من السماع، وبالتالي فالفرق هو ما يعتد به، فيعتد البصريون بالقياس على المسموع الكثير، ويعتد الكوفيون بالمسموع النادر.
                           II.            التعليل في كتاب معاني الفراء
وإذا رجعنا إلى كتاب "معاني القرآن" للفراء فأول ملاحظة هي أن النحو كان منطلقه الأول في الوصول إلى المعاني، ولبيان ذلك سنقف على أمثلة تطبيقية من "سورة البقرة":
أول شيء لا بد من الانتباه إليه هو التعليل؛ لأن من دونه لن نصل إلى القياس ذلك فنلاحظ في المثال التالي قوله[3]:
قوله تعالى :" الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ ... (2)
الهجاء موقوف في كل القرآن، وليس بجزم يسمّى جزما، إنما هو كلام جزمه نيّة الوقوف على كل حرف منه، فافعل ذلك بجميع الهجاء فيما قلّ أو كثر. وإنما قرأت القُرّاء «الم اللَّهُ» في «آل عمران» ففتحوا الميم لأن الميم كانت مجزومة لنيّة الوقفة  عليها ، وإذا كان الحرف ينوى به الوقوف نوى بما بعده الاستئناف ، فـكانت القراءة «ا ل م اللّه» فتركت العرب همزة الألف من «اللّه» فصارت فتحتها في الميم لسكونها ، ولو كانت الميم جزما مستحقّا للجزم لكسرت ، كما فى «قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ»".

يقول الفراء رحمه الله إن حروف التهجية تجزم بنية الوقوف عليها، لا لأنها مجزومة، فتقول ألفْ لامْ ميمْ، فنلاحظ أن الآية انتهت، والذي يليها هو حركة الفتح في الذال بعد ذلك، أما إذا لقيها وصل فإن الوصل يَحذِف  حركتها، ويجعل مكانها حركة الألف؛ كفي قوله: "فتركت العرب همزة الألف من «اللّه» فصارت فتحتها في الميم لسكونها"، بمعنى أن ما عليها ليس بجزم لأنه لو كانت الميم مجزومة لكسرت في "قيل ادخلِ الْجنة".  وإذا قيل إن الهمزة في الله همزة قطع فإن كثرة استعمالها يحذفها.
       فنلاحظ:
التعليل: وهو تعليل السبب الذي حمله على رأيه، وهو الذي تم بيانه، وقد تم بمجموعة من الحروف من بينها: ل، أن، إنما، ف، وهي من الحروف الأحادية والثنائية والثلاثية. والتعليل بالتركيب الشرطي المتكون من جملة الشرط وجملة جواب الشرط كفي قوله: وإذا كان الحرف ينوى به الوقوف نوى بما بعده الاستئناف.
هكذا يمكن الوقوف على الملاحظات التالية:
ü    تقديم الحكم على العلة.
ü    التعليل بالكثرة من كلام العرب.
ü     الاستشهاد بالقرآن الكريم.
ü    الاهتمام بالحركة الإعرابية والإعراب عموما.
ولا يرتبط التعليل في الكتاب بالكثرة فقط بل يتعداه إلى:
ü            التعليل بالخفة والثقل في المثال: وقوله : تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ... (118)
يقول : "تشابهت قلوبهم  في اتفاقهم على الكفر. فجعله اشتباها. ولا يجوز تشّابهت بالتثقيل لأنّه لا يستقيم دخول تاءين زائدتين في تفاعلت ولا في أشباهها.

وإنما يجوز الإدغام إذا قلت في الاستقبال : تتشابه (عن قليل) فتدغم التاء الثانية عند الشين.

ü    التعليل بالتشديد: كفي الآية 78: "لا يعلمون الكتاب إلا أمانيَّ"
 يقول الفراء: "فأما في العربية فإن من العرب من يخفف الياء فيقول:< إلا أمانيَ وإن هم> ومنهم من يشدد، وهو أجود الوجهين.[4]"    
ü    التعليل بالقبح والكراهة: كفي الآية 102: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ..
يقول الفراء: "من في موضع رفع وهى جزاء  لأن العرب  إذا أحدثت على الجزاء هذه اللام صيّروا فعله على جهة فعل. ولا يكادون يجعلونه على يفعل كراهة أن يحدث على الجزاء حادث وهو مجزوم ألا ترى أنهم يقولون : سل عمّا شئت ، وتقول : لا آتيك ما عشت ، ولا يقولون ما تعش لأن «ما» في تأويل جزاء
"ولقد علموا لمن اشتراه"

ü   التعليل بالقوة: يقول الفراء وقوله : صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ  رفعن وأسماؤهن  في أوّل الكلام منصوبة لأن الكلام تمّ وانقضت به آية ، ثمّ استؤنفت «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ» في آية أخرى ، فكان أقوى للاستئناف ، ولو تمّ الكلام ولم تكن آية لجاز أيضا الاستئناف قال اللّه تبارك وتعالى : «جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً. رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ»  «الرَّحْمنِ» يرفع ويخفض في الإعراب، وليس الذي قبله بآخر آية. فأما ما جاء في رؤوس الآيات مستأنفا فكثير من ذلك قول اللّه : «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ» إلى قوله : «وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» ، ثم قال جل وجهه : «التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ» بالرفع في قراءتنا ، وفى حرف ابن مسعود «التائبين العابدين الحامدين». وقال: «أَ تَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ اللَّهَ رَبَّكُمْ». يقرأ بالرفع والنصب على ما فسّرت لك. وفى قراءة عبد اللّه «صمّا بكما عميا» بالنصب.
ونصبه على جهتين إن شئت على معنى : تركهم صمّا بكما عميا ، وإن شئت اكتفيت بأن توقع الترك عليهم في الظلمات ، ثم تستأنف «صما» بالذمّ لهم.

والعرب تنصب بالذمّ وبالمدح لأن فيه مع الأسماء مثل معنى قولهم : ويلا له ، وثوابا له ، وبعدا وسقيا ورعيا.

هذه نماذج من أشكال التعليل وأسبابه عند الفراء، وليست للحصر وإنما هناك أشكال أخرى كالتعليل بالتوهم، والتعليل بالقراءة القرآنية، والتعليل بالذوق الشخصي؛ فكثيرا ما يردد والرفع أجود عندي، وغيرها.
             III.                        القياس عند الفراء
 بعد أن بينت العلة وأشكالها أكون قد بينت ركنا من أركان القياس الأربعة ومما لا شك فيه، أن القياس عملية منطقية، ومبادئ المنطق تدخل ضمن الكليات التي يشتغل بها العقل الإنساني على اختلاف لغاته وأعراقه وجنسه، والقرآن الكريم حافل بالآيات الداعية إلى استخدامه، ومنها قوله تعالى : "إِذَا تَنازَعْتُم في شَيء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ والرسولِ"[5] وقال كذلك : "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ"[6].
وقد عرفه المسلمون منذ بداية الدعوة، ونفذ إلى مختلف مجالات حياتهم وعلومهم؛ ومنها اللغة التي اقترن فيها القياس باسم ابن أبي إسحاق الحضرمي، وأخذ به النحاة من بعده على اختلاف مذاهبهم.
       والقياس عند الفراء عملية لغوية وعقلية تربط حكم المسألة اللغوية بأصل في الحكم لعلة جامعة، غير أن تجلياته في الكتاب لها طابعها المميز والتي تعكس توجهه الفكري واللغوي؛ ويظهر ذلك من خلال عرض تجليات أركانه الأربعة في الكتاب، فقد جعل الفراء المقيس عليه بالدرجة الأولى في القرآن الكريم وذلك بشكل كبير؛ ومن أمثله ذلك في سورة البقرة الآية:
ü   القياس على القرآن الكريم:
يقول الفراء:[7]
 وقوله : مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ... فإنما ضرب المثل - واللّه أعلم - للفعل لا لأعيان الرجال ، وإنما هو مثل للنفاق فقال : مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ولم يقل : الذين استوقدوا. وهو كما قال اللّه: «تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ»، وقوله : «ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ»  فالمعنى - واللّه أعلم - : إلا كبعث نفس واحدة ولو كان التشبيه للرجال لكان مجموعا  كما قال : «كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ».
ü    أركان القياس:
المقيس: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً.
الحكم: فإنما ضرب المثل - واللّه أعلم - للفعل لا لأعيان الرجال ، وإنما هو مثل للنفاق
المقيس عليه: تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ»
العلة: ولو كان التشبيه للرجال لكان مجموعا 
وبينه بقياس آخر على : «كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ».
وهذا النوع من القياس يسمى القياس على النقيض.

ü   القياس على كلام العرب:
     وقوله[8] : فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ يقول الفراء : ربما قال القائل : كيف تربح التجارة وإنما يربح الرجل التاجر؟ وذلك من كلام العرب: ربح بيعك وخسر بيعك ، فحسن القول بذلك لأن الربح والخسران إنما يكونان في التجارة ، فعلم معناه. ومثله من كلام العرب : هذا ليل نائم. ومثله من كتاب اللّه : "فَإِذا عَزَمَ الْأَمْر"ُ وإنما العزيمة للرجال ، ولا يجوز الضمير.
ü    أركان القياس
المقيس: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ.

المقيس عليه: كلام العرب : ربح بيعك وخسر بيعك.
التعليل: لأن الربح والخسران إنما يكونان في التجارة.
الحكم: فعلم معناه، وإنما يربح الرجل التاجر.
هذه نماذج من القياس على القرآن الكريم وكلام العرب، وهناك أخرى من القياس على الشعر وغيره.
       وقد استعمل الفراء القياس النحوي للوصول إلى المعاني التركيبية والصرفي للوصول إلى المعاني الصرفية، ولا يتسع المجال للوقوف على كل هذه الأشكال بالشرح والتوضيح.
                          IV.            السماع في معاني القرآن
ü    المثال الأول:
يقول الفراء:[9] وقوله "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها."

الوُسع اسم في مثل معنى الوُجد والجُهد. ومن قال في مثل الوُجد: الوُجد ، وفي مثل الجُهد : الجُهد قال في مثله من الكلام : «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها».

ولو قيل : وَسعها لكان جائزا ، ولم نسمعه.

إذن نلاحظ كيف نحا نحو السماع لإثبات الضمة على الوُسع، غير أنه جوز الفتح وقال: ولم نسمعه.
ü   المثال الثاني:
"كيف نَنشرها"
يقول الفراء : نَنْشُزُها قرأها زيد بن ثابت كذلك، والإنشاز نقلها إلى موضعها.
وقرأها ابن عباس «ننشرها». إنشارها : إحياؤها. واحتجّ بقوله : «ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ»  وقرأها الحسن - فيما بلغنا - (ننشرها) ذهب إلى النشر والطي. والوجه أن تقول : أنشر اللّه الموتى فنَشروا إذا حَيُوا ، كما قال الأعشى : 

يا عجبا للميت الناشر

و سمعت بعض بني الحارث يقول : كان به جَرَبُُ فنَشَرَ ، أي عاد وحيى.

ü    المثال الثالث :
وقوله [10]: "أَوْ أَكْنَنْتُمْ" للعرب في أكننت الشيء إذا سترته لغتان: كننته وأكننته ، قال : وأنشدونى  قول الشاعر : 

ثلاث من ثلاث قُدامِيات من اللاتي تَكُنُّ من الصقيع

ü          المثال الرابع:

«سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ» [11] - «وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ»  وما أشبهه ، وقد تسقط العرب الواو وهى واو جماع ، اكتفى بالضمّة قبلها فقالوا في ضربوا : قد ضرب ، وفى قالوا : قد قالُ ذلك ، وهى في هوازن وعليا قيس أنشدني بعضهم : 

إذا ما شاء ضرّوا من أرادوا ولا يألو لهم أحد ضرارا

ü          المثال الخامس:
وقوله : لِكُلٍّ وِجْهَةٌ [12]...

العرب تقول : هذا أمر ليس له وجهة ، وليس له جهة ، وليس له وَجْه وسمعتهم يقولون : وجِّه الحجر ، جِهَةُ مالِه ، ووِجْهةُ ماله ، وَوَجْهُ ماله. ويقولون : 

ضعه غير هذه الوضعة ، والضِّعة ، والضَّعَة. ومعناه : وجَّه الحجر فله جهة وهو مَثَلُُ ، أصله في البناء يقولون : إذا رأيت الحجر في البناء لم يقع موقعه فأدره فإنك ستقع على جهته. ولو نصبوا على قوله : وجِّهه جِهَتَهُ لكان صوابا.

خاتمة
       هكذا ورد السماع والقياس بشكل كبير في السورة والكتاب بصفة عامة، فعكس هذا التوجه سمة البحث اللغوي عند الفراء المعتمدة على التعليل بالخفة والثقل، والضعف والتشديد والقوة، والقبح والكراهة، والإجادة، فعكست هذه التعليلات، وهذه المعايير طبيعة اشتغال اللغة العربية، وطبيعة الإنسان العربي الميال للإيجاز ليس في التركيب فقط بل كذلك في الأصوات، والكلمات، والحركات, كما تَظهر شخصيته من خلال الطريقة التي تناول بها مواضيع القرآن؛ من حيث السماع أساسا والقياس كذلك، وعدم الميل إلى الحجاج، والجدل، والمسائل الأصولية؛ كالأحكام وغيرها.
       إن شخصية الفراء عكست طبيعة الإنسان العربي في تعامله مع اللغة المبنية على الفطرة والذوق والمنطق، فكان ذلك مَعبره الأساسي لولوج  النص القرآني، ولم يكن هذا المعبر خاصا به وحده بل كان خصيصة كل كتب معاني القرآن بصفة عامة، غير أن ما ميز كتاب الفراء هو ما حمله من مميزات التفكير اللغوي الكوفي بكل خصائصها المنهجية؛ مضمونا، واصطلاحا، وأصولا ،ومنهجا.    
ملاحظة : قدم هذا  الموضوع أمام أستاذنا الفاضل الدكتورعبد الجليل هنوش بتاريخ 25 دجنبر 2013 بكلية الآداب القاضي عياض مراكش.  
المصادر:
1)   القرآن الكريم.
2)   الفراء، معاني القرآن، تقديم محمد علي النجار، أحمد يوسف نجاتي، ج1، ط3، 1983، مطبعة عالم الكتب، بيروت، لبنان.
3)   السيوطي، الاقتراح في علم أصول النحو، تعليق محمد سليمان ياقوت، دار المعرفة الجامعية، مصر.




:السيوطي، الاقتراح في علم أصول النحو،تعليق محمد سليمان ياقوت، دار المعرفة الجامعية،مصر، ط 2006،ص: 74.[1]
:نفس المصدر،ص:203.[2]
: الفراء، معاني القرآن،ج1،ط3 ،  1983 ، مطبعة عالم الكتب، بيروت لبنان، تقديم محمد علي النجار، أحمد يوسف نجاتي،ص9.[3]
الفراء، معاني القرآن،ص49.[4]
القرآن الكريم، سورة النساء،59[5]
: نفس المصدر، سورة آل عمران،59[6]

:معاني القرآن، ص:15.[7]
:نفس المصدر،ص 19.[8]
:نفسه،ص 188.[9]
نفسه ص152[10]
ص91[11]
ص90[12]
  

هناك تعليق واحد: