الثلاثاء، 7 فبراير 2017

مركز ومسجد "خديجة" الكيبك، كندا.

مركز ومسجد "خديجة" الكيبك، كندا.
لو سُئل الشاب الذي هتك حرمات مركز خديجة الثقافي بالكيبك وسفك دماء مرتاديه عن أسباب فعله سيقول فورا: قمت بأفعالي بدافع الانتقام، وقد يقول: بدافع الكراهية، وقد يقول غير ذلك. ومهما كان الأمر فإن لسان حال الحادث أبلغ من لسان مقاله؛ فما وقع في مركز "خديجة" بالكيبك أكبر من أن تسعه اللغة وأن يشمله الوصف؛ لأنه تجسد فيه فعل فاسد ناتج عن جهل القلب والعقل والجسد ورد فعل إنساني واجب الحدوث، فاعله ظالم مظلوم، ومفعوله مظلوم عُدّ ظُُلْمًا ظالما، فكانت نصرة الظالم والمظلوم حقا على المؤمنين، وكذلك كان الأمر، وهو ما نبغي من وراء هذا المقال.
  إن حادث سلب الحياة الذي وقع في بلد أهله يقدسون الحياة والإنسان أيما تقديس، شُهد لهم بذلك ونحن عليه أيضا من الشاهدين، تحيلنا على كثير من أحداث سفك الدماء التي عرفتها البشرية منذ فجر التاريخ، والقاسم الجامع بينها اشتمالها على طرفين؛ الأول: ظالم قاتل خاسر، والثاني: مظلوم مقتول فائز، ومبتدأ حكايات القتل في التاريخ البشري كانت مع ابني آدم كما جاء في الذكر الحكيم في قوله تعالى :" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ  لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ  إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ  فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ "[1]، لكم يصعب على الإنسان تصور مثل هذا الموقف البشري المأساوي الذي عبّر عنه القرآن الكريم تعبيرا بلاغيا خاصا من خلال توظيف حدث "البسط" مرتين في الجملة الشرطية بصيغتين مختلفتين؛ الأولى في جملة الشرط المؤكدة لما أسند البسط بصيغة الفعل إلى يد القاتل، إفادة للحركة والتجدد في الزمن وتحقيرا لآلته واستثقالا لحدثه، بدءا بابن آدم ومرورا بأحداث القتل التي عرفتها الكثير من المواقع والبلدان في العالم في الزمن القديم والمعاصر وأخيرا بالكيبك، والثانية توظيفه بالاسم(اسم فاعل) مسبوقا بالنفي في جملة الجواب إفادة لسمو فعل المظلوم وثباته وتعظيمه قبل الحدث وبعده، وأما علة هذا الاختيار فما هو بضعف ولا هوان وإنما هو ما عبر عنه الابن المظلوم بقوله إني أخاف الله رب العالمين، وهذه درجة عالية من التقوى وصلاح القلب ورجاحة العقل في مقابل فسادهما في الجهة الآخرى، وهذا هو عين الصواب؛ فالاختلاف الحاصل بين الأخوين، ابني آدم، كان سببا طبيعيا للمماراة، كما كان فاتحة للاعتداء وسلما للتعصب ومدعاة لانقطاع الأسباب، وهذا ما بينه السرد القرآني وفق ما حصل في الشرق قديما، وها هي الصحف والقنوات العالمية تعيده علينا بشخوص آخرين من الغرب.
 وحوادث القتل كما حصلت في مسجد خديجة أو غيره، في كندا أو غيرها، في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، وكيفما كان القاتل أو المقتول هو حدث مرفوض في الإسلام جملة وتفصيلا؛ فهذا الدين الحنيف يقدس الحياة بأعلى مقاييس التقدير والإجلال، أو ليس حفظ الحياة من المقاصد والضروريات الخمس التي أتى الإسلام من أجلها؟ ألم يقل رب العباد : "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ"[2]؟ أليس هذا الكلام أجلّ ما قيل عن الحياة الإنسانية في سموها وقداستها في كل الحضارات؟ هل يا ترى لو علم هذا الفتى بنفاسة هذه الرسالة ومقاصدها ونبل أخلاق حامليها سيقوم بمثل ما قام به؟ وهل بعد هذا يمكن مواجهة القتل بالقتل؟ وهل يواجه التدمير بالتدمير؟ إن حياة الإسلام بناء مرصوص لا يلحقه التدمير مهما حصل من الأسباب، ومن غرائب الصدف اقتران اسم هذا المركز باسم خديجة أم المؤمنين؛ تلك المرأة الفاضلة التي وضعت أولى لبنات البناء الدعوي؛ لما آوت الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت مسكنا له ومرجعا وحاضنة؛ وجدانيا واجتماعيا واقتصاديا وعاطفيا، دثّرته لحظة نزول الوحي ووجهته وقابلته بابن عمها ورقة، فكانت نبراسا ومساعدا وموجها محوريا في حياة الدعوة الإسلامية، ولعل هذا الدور هو سبب اختيار هذا الاسم لهذا المركز الثقافي والديني الذي سيحمل هذه القيم وسيواصل بثها بين مريديه المؤمنين وغيرهم إن شاء الله.      
       إن غايتنا من استرجاع هذا الفعل من القصص القرآني وحادث مركز خديجة ليس تمجيدا للمقتول ولا طلبا لتعزير القاتل ولكن للعبرة والاعتبار ونصرة المظلوم والدعوة للظالم ومواطنيه بالهداية والاعتبار؛ فالجاني مهما كان وكيفما سيكون، فقد لابسته الرذيلة وجانبته الفضيلة وكان طبعا من الخاسرين، وإن كان فعله هذا قد تم لا حبّا في القتل ولا كرها في المقتول ولكن جهلا به وبرسالته، هذا الجهل مس القلب والعقل والنفس والبدن فكان مقدمة للفساد، ولعل هذا هو عين ما يجب أن يكون سببا في بعث روح الحب والسلام والأمن من دواخل المسلمين أينما كانوا، فلا يتناسون أنهم رسل الإسلام، والجنوح للسلم من القواعد والأركان، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ "[3] وبيان موقف الإسلام الصحيح في مثل هذه المحطات الصعبة لهو المطلوب وإصلاح القلوب منبع الإحسان كما يقول سلطان العلماء عزالدين بن عبد السلام، ومقابلة الشر بالخير من كمال الصفات وصفات الكمال، وأما فكرتا الحق والباطل فإنهما محققتان بنور العقل مهما كثرت المغالطات وعلا التعصب، وسلامة الإنسان الغربي "عن الخطأ ليس بمطموع فيه ولكن الطمع أن يكثر صوابه"[4].
المصادر:
1.   القرآن الكريم
2.    العامري، الإعلام بمناقب الإسلام، تحقيق: احمد عبد الحميد غراب، دار الأصالة، الرياض، السعودية، 

    




المائدة 26-30([1]
المائدة، 32.( [2]
) البقرة، 208,[3]
( . [4] التعبير مقتبس من : العامري، الإعلام بمناقب الإسلام، تحقيق: احمد عبد الحميد غراب، دار الأصالة، الرياض، السعودية،  ص:192