الاثنين، 8 فبراير 2016

مفاهيم نقدية

جولة في كتاب "مفاهيم نقدية" لرونيه ويليك، ترجمة محمد عصفور، سلسلة عالم المعرفة.
كلمة المترجم

ذكر المترجم محمد عصفور في كلمته أن هذا الكتاب هو ترجمة لكتابين "لويليك" يتعلق الأمر بـ: "Discriminations" و "Concepts of Criticism"، في هذه الكلمة  أشاد بثقافة ويليك الكبيرة في النقد والأدب، ونوه بأساتذة اللغات الأوربية الذين ساهموا في إنجاز هذه الترجمة، موضحا ما اعترضها من صعوبات نقل المصطلح من البيئة الأوربية إلى العربية.
  •   الفرق بين النظرية الأدبية، والنقد الأدبي، والتاريخ الأدبي
حاول الكاتب منذ البداية أن يوضح للقارئ أن هناك فرقا بين فروع الدراسات الأدبية؛ فالنظرية الأدبية تدرس الأدب وأصنافه ومعاييره في مقابل الدراسات النقدية التي تدرس الأعمال الأدبية في ذاتها بالرغم من أنها تشتمل على النظرية الأدبية أيضا، إلى جانب هذين الفرعين هناك تاريخ الأدب، ومن الضروري أن يسود التعاون بينها لأنها لا تستقل بذاتها عن بعضها البعض، عكس ما يذهب إليه بعض الدارسين الذين يعظمون بعض الفروع دون الأخرى، مدعما رأيه بالتداخل والتعالقات الحاصلة بينها؛ والمتضمنة في الرصيد المفهومي للمصطلحات المستعملة لدراسة الأدب نحو: "literatuwissenschaft"  و"literary"، " scholarship"و"poetics"و "literary theory "، ويميل "ويليك" في هذا الإطار إلى استعمال مصطلح نظرية الأدب" لكونه يتفادى الانزلاقات التي تقع فيها باقي المصطلحات؛ وذلك بسبب ميولها العلمي أو عدم قدرتها على تغطية كل مساحة الظاهرة الأدبية كمفهوم، أو لكونها لا تنظر إلى الأدب إلا من زوايا خاصة، كالنقد الذي ينظر إليه من زوايا شخصية ذوقية وعدم قدرته على إحداث العملية التخييلية لدى المتلقي، واكتفائه بالمعرفة الفكرية فقط. أما النظرية النقدية فقد رسمت طريقها عبر محطات طويلة كان أهمها بألمانيا على يد "لسنغ" و"الأخوين شليغل"، وابتدأت بالمراجعات النقدية اليومية، وهو ما جعله خادما للجمهور؛ فانحطت مكانته إلى أن أعاد له "فيرنر ميلخ" الاعتبار، وجعلها فنا قائما بذاته ونوعا من الأنواع الأدبية غير أنه لم ينظر في العلاقة بينها وبين النظرية الأدبية، واصطدم بقضيتي الفنية والعلمية، قضية سيظهر فيها النقد بمظهر فني من خلال قصائد "هوراس" وأقوال "شليغل" والمراسلات النثرية، والتي ستُظهر أن الممارسة النقدية لا يمكن أن تنفصل عن الحس الفني، غير أن هذا لا يعني أن النقد فن بالمعنى الحديث، بل هو ممارسة فكرية تسعى إلى معرفة منظمة تخص الأدب أي إلى تكوين نظرية أدبية. هذا التصور وجد سندا له في أعمال "نورثرب فراي" في مقدمته الجدلية، وأساس فكرته أن النظرية والنقد ليسا عالتين على الأدب. إن "فراييفرق بين النقد والنظرية، ويجعل النقد بنيانا قائما بنفسه وقادرا على الانفصال عن الذوق، وهو ما سيجعله محط انتقاد "ويليك" من حيث عدم إمكانية الفصل بين النقد والذوق والدراسة والتقييم، وأن هذا الفصل تعسفي
أما تاريخ الأدب فوجد نفسه في موقع الدفاع عن نفسه لما قام الكثير من الدارسين بالدفاع عن النقد والنظرية الأدبية في مقابل دعوتهم إلى عدم الاهتمام به، و ظهور كتاب "النظرية الأدبية" زاد من ذلك، على الرغم من أن الكتاب أفرز مبحثا خاصا به، ولم يدع إلى إهماله كلية بل دعا إلى التقليل من الاعتماد فيه على الدراسات الخارجية
ومع تطور الدراسات الأدبية والنقدية وجدت هذه الدراسات أن إهمال المعرفة التاريخية بالأدب يسيء فهمه في النقد؛ فالبناء الأدبي له تاريخ وينحدر من تراث، فظهر من ذلك أن الناقد يحتاج إلى عون المؤرخ. هذا الأمر أدى إلى ظهور معركة نقدية بين النقاد الجدد والقدامى من جهة والمؤرخين والنقاد القدامى من جهة أخرى حول تفسير الأدب في ضوء المعرفة التاريخية أو بدونها، لقد تناولت هذه المجادلات بين النقد والنظرية والتاريخ موضوع التفسير أكثر من تناولها لموضوع العلاقات بينها، فظهر أن ما يميز البحث التاريخي هو النسبية والعمل على الوثائق، وهو ما لا يسجل في النقد الذي يهتم بالمعالم والعمل الفني، غير أن الذاتية تبقى داءهما معا، وباختصار فإن الناقد لا يصير كذلك حتى يكون مؤرخا بمعنى أن العلاقة بين هذه الحقول يجب أن تكون محكومة بمنطق الترافد لا منطق الترافض. في مقابل ذلك ظهرت دراسات أخرى تدعو إلى دراسة الأدب في ضوء ما لقيه من نجاحات في زمنه لأن ويليك يرفض ذلك بدعوى إسقاط معايير الماضي على الحاضر.

  •  مفهوم التطور في التاريخ الأدبي 

يتأسس هذا الفصل على مفهوم التطور في تاريخ الأدب، هذا المفهوم لم يعد له وجود في الساحة الأدبية، ويعود في جذوره التاريخية إلى أرسطو، الذي يرى أن التراجيديا تعود للدترامبس والكوميديا تعود للشعر الغنائي. واستخدمت هذه النظرية استخداما واسعا في عصر النهضة، وكان كتاب "فنكلمان" أول كتاب استخدم الصيغة التطورية في الأدب، وصنفه حسب المراحل التالية: الأسلوب العظيم، النضج، الانحطاط، وانتقل المفهوم عند "شليغل" الذي يراه باعتباره نظاما طبيعيا يقوم على النمو والانتشار والازدهار والتصلب، أما "هيغل" فله تصور مخالف؛ إذ حلت الجدلية محل الاستمرارية والارتدادات والأضداد والإلغاء والاستبقاء، لكن مع ظهور داروين تغير مفهوم التطور؛ فنظر إليه هذا الأخير باعتباره تفسيرا ميكانيكيا يرتبط بالولادة والتوسع فالازدهار ثم الذبول، وطور سبنسر المفهوم وفقا لقانون التقدم من البسيط إلى المعقد. وطبق "جون أدنغنتون" في إنجلترا التشبيه البيولوجي على تاريخ الدراما الاليزابيتية واصفا تطورها بعملية تفتق جينية حتمية. وفي فرنسا، انشغل "برونتيير" و"تين" بفكرة التطور لكن بروح هيغلية معارضين تصور سبنسر ومدافعين عن العلل الداخلية في التطور الخارجية، معلنين أن الآدب يؤثر بعضه في بعض تأثيرا مزدوجا إيجابيا وسلبيا، فقال "برونتيير" إن التراجيديا الفرنسية ولدت مع جوديل ونضجت مع كورني، وشاخت مع فولتير، وماتت مع هوكو. ولم يكن مذهب التطور في شكله الذي دافع عنه "برونتيير" مقنعا خاصة بالنظر لما أتى به "برغسون" و"كروتشيه"؛ فقد رفض "برجسون" مفهوم التطور الخالق، أما "كروتشه" فرفض مفهوم النوع الأدبي وآمن بالتفرد؛ فكل عمل يتفرد عما سواه، معلنين في ذلك عودة النظرة اللاتاريخية في الأدب. أما في روسيا، فسُجل إيمان بالنظرية التطورية ودافع "فيسيلوفسكي" عن التطورية السبنسرية، واستمد أفكاره من مصادر أخرى كالإثنوغرافيين الإنجليز، غير أن فرضياته متزمتة كما يرى "ويليك"، ورغم ذلك فالتطورية فرضت نفسها على الشكلانيين الروس؛ فاهتموا بالوسائل الشكلية ومورفولوجية الأنماط الأدبية، وانتقلت هذه الأفكار إلى تشيكوسلوفاكيا وطبقها جاكبسون بهدف تقويم العمل الفني. يرى الشكلانيون أن وجود نظام متزامن في الأدب هو وهم من الأوهام، لأن كل نظام هو ماض وحاضر ومستقبل، ومفهوم النظام الأدبي المتزامن لا يتفق ومفهوم الحقبة الزمنية كما نفهمها عادة، والأدب لا يعيش حاضره فقط ولكن يعيش ماضيه أيضا من خلال ردود أفعال تتعلق بالذاكرة، كما يعيش المستقبل من خلال التوقعات. ويرى ويليك أن التطور بالمفهوم الدارويني السبنسري فاسد لأن الأدب لا يضم أنواعا شبيهة بالأنواع البيولوجية، وليس هناك نمو وانقراض حتميان والصراع حقيقي من أجل البقاء، والتحول من نوع إلى آخر، والتطورية بالصيغة الهيجلية المنكرة لمبدأ التدرج على حق ، كما أنها على حق في اعترافها بمبدأ الصراع والتمرد في الفن، والعلاقة بين الأدب والمجتمع علاقة جدلية، فما يحتاج له الأدب هو زمن غير عشري بل زمن ينظر في الترتيب الزمني للذاكرة والتجربة.

  •  مفهوما الشكل والبنية في نقد القرن العشرين، وهل يمكن الفصل بين البنية والشكل؟
يرى ويليك أن القدماء فرقوا بين البنية والشكل، أما اليوم فلم يعد التفريق بين الشكل والبنية مقنعا؛ فالشكل يحتمل معان والمحتوى كذلك، وتعود جذور الفكرة إلى أرسطو الذي تنبه إلى عدم إمكانية الفصل بينهما، وأفكاره شكلت خلفية معرفية لمن أتى بعده. ويرى "كروتشه" أن وحدة العمل الفني ترتبط بوحدة وتطابق الشكل والمضمون، ويرى "فاليري" أن الشكل والمحتوى يتعاونان في صناعة المعنى في الشعر، أما" إليوت" فيرى أن الشكل والمضمون يصح أن يقال إنهما متطابقان ويصح أن يقال إنهما مختلفان، غير أنه لا يكاد يحفل بالشكل على الاطلاق ويهتم بالخلق والمشاعر والأحاسيس, أما "رتشاردز" فإنه لا يهتم بالشكل ويرى أن التعاون بين الشكل والمضمون هو سر الأسلوب الأكبر في الشعر. لقد تناول الروس العمل الأدبي في جانبه الشكلي، وبلغ الشكل أنه أخذ يعني كل ما يكون العمل الفني، وهذا الواقع كان رد فعل وتمرد على النقد الإيديولوجي السائد أنذاك في روسيا، ودافعوا عن الوحدة بين الشكل والمضمون، واستحالة رسم حد فاصل العناصر اللغوية والأفكار التي يعبر بواسطتها؛ فالمحتوى يتضمن بعض عناصر الشكل، والأحداث التي ترويها الرواية هي جزء من المحتوى، وطريقة حبكتها جزء من الشكل، والشكل هو ما يحول التعبير اللغوي إلى فن، لذلك يعتبر شكلوفسكي أن الطريقة الشكلية لا تنكر الإيديولوجية أو المحتوى في الفن.
 وبالنسبة إليهم جميعا الأفكار وسيلة لغاية تؤدي وظيفتها بشكل فني ولا يمكن محاسبة الشاعر أو الفنان على ذلك، ومن المستحيل فصل البنية عن الشكل، كما لا يمكن فصل الدراسة الأدبية عن النقد . 

  • مفهوم الرومانسية في التاريخ الأدبي

 تناول ويليك في هذا الفصل مفهوم الرومانسية ومشتقاته ووظيفتها واختلافاتها بين الأقطار،. ويرى أن الاصطلاح الأدبي(الرومانسية) يجب أن يعتبر اسما لمعيار أدبي ساد في وقت ومكان معينين أيضا، ومصطلح الرومانسية درس دراسة مستفيضة في فرنسا وألمانيا وإنجلترا، والبحث في تاريخ المصطلح يظهر توسعه في النقد والتاريخ، ولعل أوائل استعمالاته تعود إلى" توماس وارتن " في كتاب "تاريخ الشعر الإنجليزي" 1674، واستعمل في وصف أقاصيص العصور الوسطى، من خلال وصف طريقة التأليف والسرد، ودخل المصطلح إلى ألمانيا في 1766، من خلال مراجعة "غرشتنبرك" لكتاب وارتن، ثم دخل المصطلح إلى تاريخ الأدب ليشير، في صيغته القديمة، إلى العصور الوسطى، وفي صيغته الحديثة إلى أدب النهضة، ثم اتصل بالمفهوم التايبولوجي، لتوزيع التقابل بين ما هو كلاسيكي ورومانسي. أما بوصفه اصطلاحا أدبيا فكان مع "نوفاليس"، وكان شليغل يعتبر عصره رومانسيا غير أن استعماله له فيه نوع من الغموض؛ إذ كثيرا ما يستعمله بشكل تايبولوجي في مقابل الكلاسيكية، ولعل عداء الأخوين شليغل للكلاسيكية دفعهما لاستعماله بهذا المعنى، وانتشر هذا الاستعمال في ألمانيا وخارجها، فتبنته الأقطار الشمالية في أوربا وهولاندا، ولم يستعمل في فرنسا كما هو الحال في ألمانيا باستثناء ما كان عند بعض الكتاب مثل "شارل فلير" وشاتوبريان، واستعمل كذلك في العالم اللاتيني وإنجلترا وأمريكا .واستعمال المدام دوستايل للرومانسية هو غير استعمال الأخوين شليغل خصوصا في ما يتعلق بالتيبولوجية، وكتبت دوستايل مراجعات كثيرة فيها، وحمل المصطلح بعدها الكثير من المعاني كالتأثير، والتقفية السيئة للشعر، والغنائية الفارغة، بعدها تحدث ستاندال عن ولاءه للحركة الرومانسية في إيطاليا بمعناها الواعي كرومانسية أدبية، وكانت هذه من أولى الخطوات لبناء المفهوم بمعناه الواسع. أما في البرتغال، كانت الإشارة الأولى للرومانسية في سنة 1823 على يد الميدا غاريت، وتلقت الأقطار السلافية مصطلح الرومانسية ابتداء من 1805، وفي روسيا ابتداء من بوشكين .1821
والتمييز بين الرومانسية والكلاسيكية ورد لأول مرة سنة 1811 في محاضرة كولردج، واستمدت من الأخوين شليغل، ولم يكن التمييز بينهما دقيقا عند الكثير من الأدباء؛ فوصفوا أنفسهم بها أحيانا، ووصفوا بها طبيعة أعمالهم أحيانا، كما وصفوا بها طبيعة الأدب في بعض الأقطار؛ إذ وصف بها الأدب الإنجليزي الذي ظهر بعد القرن 19، كما وصف بها "ماتيو غريغوري" من طرف ديفيد مكبث .
وتختلف تسميات الكتاب لأنفسهم بالرومانسيين من بلد لآخر، كما تختلف من حيث إطلاقها على نوع معين من بلد لآخر، غير أن أهم ما يمكن أن يقال عنها أنها وصف جديد لنمط من الشعر يتعارض من الشعر الكلاسيكي.
  إن حركة الرومانسية ترفض المفاهيم النقدية والأنماط الشعرية السائدة في ق18 وتفتح الباب أمام تدفق شعر جديد مخالف لشعر العديد من الكلاسيكيين مثل بوب، غير أننا نسجل سعي العديد من الكتاب لطمس حقيقة الكلاسيكية رفعا من شأن الرومانسية خاصة ما تعلق بشعر "بوب" ، وهذا الجدل الدائر بين الكلاسيكيين والرومانسيين لم يكن غير مرحلة استعداد انتقالية ستفتح الأفق للرومانسية.

  •  وحدة الرومانسية الأوربية 

إن البحث في الرومانسية يؤدي إلى اعتبارها بحثا في الخيال والطبيعة والأسلوب الشعري مع نزوع نحو الذاتية والفلكلورية، هذه مجمل خصائصها كما سادت في القرن 18.
وتعتبر ألمانيا الحالة الأكثر وضوحا في هذا الاتجاه، غير أن الكاتب يسجل انعدام التجانس الكلي بين كتابها، وامتزاج رومانسيتها بالهيلنية القديمة خاصة لدى "فينكلمان". وفي فرنسا، ظهر هذا النوع من التأثر لدى "أندريه شينييه"، هذه النزعة الهيلينية الرومانسية الطابع عرفت بعض الضعف على افتراض التعارض بين الكلاسيكية والرومانسية، والذي تميز في كثير من المواقف بنزاعات شخصية مثل غوته وشلر والأخوين شليغل، و ما يجمع بين آراء هؤلاء المختلفة هو التأسيس لمذهب أدبي جديد، هو الرومانسية. ولقد عاصر الرومانسيون الألمان ازدهار الموسيقى لدى بيتهوفن وشومان، و استفادوا من تطور الإنتاج الشعري؛ فأدى ذلك إلى إنتاج أدب رفيع غير من الواقع الاجتماعي، والذي لم يكن مؤهلا بالمقارنة مع الوضع الاقتصادي. أما في فرنسا، فقد تلقت الرومانسية نكسة بسبب الثورة التي تبنت الكلاسيكية والعقلانية، غير أن الرومانسية ازدهرت في أوساط الموالين للملكية؛ فظهر إنتاج مختلف وكتاب كلاسيكيون ورومانسيون كثر.
وما ميز الرومانسيين هو نزوعهم نحو الطبيعة والإيمان والإنسان والرموز، وصار "هوغو" أشد وأكثر الرومانسيين نزوعا نحو الأسطورية والرمزية، بما يجعله منسجما مع تصوراتها، كما ظهر "بلزاك" و"لويس المبير" و"جيرار دونيرفال" الذين أصبحوا أكثر إيمانا بالغيب والغرابة، مازجين التصور الرومانسي بالكاثوليكية. وفي إنجلترا، نجد اتفاقا بين الإنجليز والفرنسيين والألمان على كثير من القضايا؛ من حيث التجانس والاتفاق في طبيعة النظرة إلى الشعر، ومفهوم الخيال، واستعمال الرمز والأسطورة. وفي الأقطار الإسكندنافية، كان تأثير الرومانسية قويا خاصة شلنغ، فنظر معظم كتاب السويد إلى العمل الفني باعتباره رمزا. أما في البلدان السلافية، فقد استمد الروس الكثير من الأفكار من ألمانيا، ورأوا أن الفن وسيط بين الإنسان والطبيعة، غير أن الأدب البولاندي كان أقل الآداب السلافية تأثرا بالرومانسية.
إن وحدة الرومانسية في دول أوربا هي أهم ما يمكن استنتاجه مع قليل من الاختلاف بين الأفكار وبين البلدان وبين الكتاب داخل البلد الواحد.  
 الرومانسية ثانية، ارتبطت الرومانسية الأولى بالمفاهيم التالية: الخيال، الطبيعة، الرمز، الأسطورة، غير أن "مورس بكم" حاول استخدام مفهوم جديد للتوفيق بين "لف جوي" و "ويليك" وبين لفجوي ونفسه" وهو مفهوم "الدينامية العضوية"، لقد جعل "بكم" هذا المصطلح وسيلة لتعريف الرومانسية ليعني بها الطبيعة والخيال، وليسقط الرمز والأسطورة وسماها كذلك الرومانسية السلبية، لم تكن هذه المحاولات من بكم إلا تعبيرا عن إعجابه بالخيال وتأثره بأفكار إرنست توفسن حول الخيال كوسيلة للنعمة الإلهية
إن محاولة "بكم" فيها إشارة إلى أهمية التفكير في الأدب من خارج مفاهيم الرومانسية والكلاسيكية؛ لأن هذه الأسماء ما هي إلا علامات تجارية، والاهتمام بالخلافات المنهجية في التفكير هو المطلوب.
  في ألمانيا، تم الاهتمام بالبحث في طبيعة الرومانسية ثم الاهتمام بالثنائيات والتعارضات؛ كالفكرة والشكل، والعقلانية واللاعقلانية، وذلك للتوصل إلى جوهر الرومانسية؛  من حيث طريقة فهمها واستعمالها للخيال المركب؛ كالكمال في مقابل المحدود، أوالشكل المفتوح والمغلق. لقد استعملت هذه الثنائيات من طرف "فرتس شترخ" لنقل أفكار "فلفلن" إلى التاريخ الأدبي، والهدف من هذا هو وضع الرومانسية في سلسلة من التقلبات بين العقل والشعور.  ووجدت هذه الأفكار مثيلها في الولايات المتحدة من خلال أفكار "و. ت. جونز" في كتابه "أعراض الرومانسية"، ورأى فيه "جونز" نفس أفكار الألمان حول دينامية الرومانسية واستمراريتها، وحبها للامحدودية والفوضى والحركة. أما في بريطانيا، فسجل اختلاف بين الرومانسيتين؛ التجريبية الإنجليزية، وقصص الجنيات في ألمانيا.  في فرنسا، كان البحث يتناول التاريخ الدولي الأدبي للرومانسية لا على أساس اللغة ولكن على أساس خريطة سيكولوجية تبين الاتجاهات والأذواق، لكنها لم تستطع الوصول إلى التعميم، ودرس "ألبير بيكان" الرومانسية الألمانية والكتاب الفرنسيين، غير أن دراسته لم تكن للبحث عن التأثير بل كانت لهدف ديني، بالإضافة لتركيزه على الألمان والفلاسفة منهم ودكاترة اللاوعي. وفي بريطانيا، يعتبر"ألبير جيرار" التجربة الشعرية نوعا من المعرفة وحدسا لوحدة كونية تدرك كامتداد مادي روحي، ويشارك فلاسفة الخلق في وحدة الموضوع والذات، ويرى ويليك أن هذا التصور يفترض وجود وجهة نظر فلسفية ونوعا من الممارسة الشعرية.
إن هذا البحث في الرومانسية هو بحث في التوفيق بين الذات والموضوع، وبين الإنسان والطبيعة، وبين الوعي واللاوعي، والاتفاق على التوفيق بين هذه الثنائيات يمر عبر الإيمان بدور الخيال والرمز والأسطورة والطبيعة العضوية، هذا هو الأساس عند كبار الشعراء الرومانسيين الإنجليز والألمان والفرنسيين.
إن ويليك يرى أن جوهر الرومانسية هو محاولة التوفيق بين الذات والموضوع، والإنسان والطبيعة والوعي واللاوعي.

  •  مفهوم الواقعية في البحوث الأدبية 

تتأسس الواقعية على الأمانة في تصوير الطبيعة، وهي تيار رئيس من التيارات الفنية والأدبية في العالم، يرى ويليك أن هذا التيار عاد للظهور في روسيا بعد أن ظهر لأول مرة في فرنسا بعد مائة سنة، غير أنه اتخذ لنفسه أسس الواقعية الاشتراكية، ولم يسمح لغيره بالظهور في المعسكر الشرقي، والجذور الأولى لهذا المذهب تعود إلى المحاكاة الأرسطية ولترجمته للأعمال الفنية الهيلينية والرومانية والرسم الهولندي؛ فالواقعية إذن ملمح من ملامح المحاكاة، ومن الأعمال الواقعية المحاكاتية المملوءة بالخداع الفني نذكر مسرحية "أب العائلة" لديدرو.  إن الواقعية، باعتبارها تيارا فكريا وفنيا، تشكل قوة لا يستهان بها في التراث الفني والأدبي لأنه تيار مشحون بالقيم، والنظر في الواقعية يجب أن يكون مرتبطا بلحظة من لحظات التاريخ، وهنا لا بد من الإشارة إلى الواقعية في القرن 19 ، حيث يسمح النظر إليها في هذه الفترة من التاريخ باستخراج مميزاتها والوصول إلى مفهومها، من حيث الاصطلاح: كان مصطلح الواقعية موجودا في الفلسفة، وكان يعني الإيمان بواقعية الأفكار وليس سيمياء يجرد الأفكار، ومنها واقعية "توماس ريد".
 وفي فرنسا أطلقت على الأدب، وسميت أدب الحقيقة، مما يعطيها انطباعا بالواقعية المستمدة من صدق تصوير الواقع، لكن هذه الكلمة سرعان ما انتقلت إلى الوصف المفصل لأنماط الحياة المعاصرة عند "بلزاك" مثال، عن طريق الملاحظة والتحليل المتأني وبدون انفعال، لكن هذا أدى إلى ظهور أعداء لها بسبب التفريط في استخدام التفاصيل الخارجية الدقيقة.  هذا الوضع الجديد أدى لظهور جدل في فرنسا بين الواقعية الواصفة لما يجري في فرنسا، والواقعية كعلم لمذهب أدبي.
 وفي إنجلترا، انتشرت الواقعية واعتبر "ثاكري" زعيما لها وامتدح روادها مثل "غوتفريد كلر " "وديكنز". وفي الولايات المتحدة، دعا "هنري دجيمس" إلى تبني الواقعية، ولقد اعتبر هذا الأخير الممثل الأكبر لهذه المدرسة.  
في ألمانيا، لم تتبن الواقعية في هذا البلد وإن استعمل المصطلح في الحديث عن واقعية "غوته".
في إيطاليا، دافع "دي سانكتس" عن "زولا" 1878، ورأى في الواقعية علاجا ممتازا لشعب غريب الأدوار تعجبه الكلمات الرنانة، غير أن هذا الموقف تم التراجع عنه بعد صعود المذاهب الوضعية.
في روسيا، عبر العديد من الكتاب الروس عن عدم رضاهم على الطبيعة التصويرية للكتابة الواقعية، ودافعوا عن الكتابة الغرائبية والاستثنائية، خاصة "دوستويفسكي".
لقد تتبع ويليك مفهوم الواقعية ومعانيها الأدبية والفلسفية في الأقطار الأوربية، ويرى أنه من الضروري التمييز بين المعاني المعاصرة لكلمة الطبيعة والطريقة التي فرض بها البحث الأدبي، هاتان العمليتان غير مستقلتين وغير متطابقتين، وتتباين مفاهيمهما من قطر إلى آخر.
في فرنسا، زاد ثبات الواقعية بأعمال "بيير مارتينو" "الرواية الواقعية" و"الطبيعة الفرنسية" و"رينيير"" أصول الرواية الواقعية".
في إنجلترا، لم يستعمل المصطلح بشكل مهيمن، بل لم يرد إلا في فترات محدودة عند "غسنغ" بتأثير من زولا، والأكثر من ذلك هناك دعوات إلى استبداله بالأدب الفيكتوري.
في الولايات المتحدة، استقر مصطلح الواقعية، وكتبت فيها مؤلفات منها "التيارات الرئيسة في الفكر الأمريكي، بدايات الواقعية النقدية".
في ألمانيا، رُفضت الكتابات الألمانية التي تناولت الواقعية، غير أن هذا الرفض لم يكن عاما؛ حيث وجدت كتابات في الواقعية على رأسها كتابات "برونو ماركفارت" " و"المحاكاة" ألورباخ. و"الواقع والوهم" لبرنكمان". غير أن ما يميز هؤلاء الكتاب أن كل واحد يكتب في الواقعية على هواه.
في روسيا، ظهرت الواقعية كأنها كل شيء، على الرغم من رفضها في أوساط البعض، فكتب فيها "غوغول" ، و"بوشكين"، وطورها "غيورغ" لوكاتش" انطلاقا من التصور الماركسي الذي يدعو إلى جعل الأدب صورة للواقع.
إن الاستعراض السريع للمصطلح في كل قطر يظهر نقطتين: *
·       أن وعي فترة من الفترات التاريخية وما يحدث فيها لا يلزم الباحثين المحدثين *.
·       والتباين بين الباحثين لا يجب أن يجعلنا ننسى النظريات الأساسية السائدة في تلك الفترة.
إن وصف الواقعية يرتبط بفترته التاريخية، ولابد من تمييزها بين محاقلاتها كالكلاسيكية والرومانسية، إن الواقعية هي "التمثيل الموضوعي للواقع الاجتماعي المعاصر" وهذا التعريف يثير إشكالية الموضوع والواقع، غير أن هذا الإشكال مفيد في للتمييز بين المذاهب؛ كالرومانسية الرافضة للغرائبية والرمزية وقصص الجنيات وغيرها. ورفض المصادفات على اعتبار نهاية حقبة الغرائب واختفاء الأساطير بعد ظهور العلم الوضعي، هذا الأمر أدى إلى دخول مواضيع جديدة ساحة الأدب ومنها المواضيع المقرفة والوضيعة كالجنس ومشاهد الموت... أدى التحلل من هذه المستويات في فرنسا، وخلط الأنواع الأدبية إلى ظهور واقعية جادة، والفضل يرجع إلى بلزاك وستندال .
في إنجلترا، خلط شكسبير هذه الوصفات واستبعد كل ما هو وعظي وأخلاقي، وهذا ما جعلها في مركز الواقعية خاصة في أعمال فيلدنغ"و "رتشاردسون" .  
إن تعريف الواقعية بكونها "التمثيل الموضوعي للواقع الاجتماعي المعاصر" يتضمن الرغبة في التعليم أو تخفيها، وهذا من المصاعب النظرية للواقعية لّأنه يتضمن الرغبة في بث أفكار معينة في المجتمع، وهذه النقطة هي لب مشكل الواقعية، إن هذا المشكل يرمي بظله على مسائل أدبية غاية في الأهمية أهمها التوتر بين الوصف الذي يضطلع به الأدب والوصفة التي يقدمها الأدب للتأثير في المجتمع، والحقيقة التي تصف الواقعية بها نفسها في الأدب والتعليم الذي يتضمنه المفهوم، هذا الصراع يفسر مفهوم النمطية وأهميتها في ربط الحاضر بالمستقبل، وفي ربط الواقع بالمثال الاجتماعي، والنمط يقصد به الشخصية العالمية ذات الطابع الأسطوري مثل "دون كيشوط" أو "هاملت"... لقد استعملت النمطية في الأدب الروسي والألماني ودعي الأدب إلى خلقها؛ ألنها أدوات تسهل تشكيل الأفكار الصائبة حول الأمور، جدية كانت أو كسولة.  إن الواقعية تؤكد على النمطية للتأثير ودفع الجمهور للاقتداء، ولم يعارض هذا التصور إلا الإيطالي "دي سانكتس "، ورغم ما تعانيه النمطية من النزعة التعليمية فإنه تظل مرتبطة بالملاحظة الاجتماعية، هذه الكلمة " الموضوعية" من الكلمات الرئيسة في الواقعية لأنها تعني تخوفا من الذاتية، لقد اهتم الأدباء بهذه الكلمة، وعبروا عن رغباتهم في تجاوزها من خلال الحديث عن "اللاشخصية" وغياب المؤلف عن عالم الرواية، ومتزعم هذا التصور هو "فلوبير"، لقد اعتبر هذا الأخير غياب الذاتية موضع احتفاء في الأدب خاصة لدى القدماء في ملاحمهم، وقارن بعض النقاد الواقعيين بين الرواية والملاحم، و اعتقدوا أن الرواية هي أقرب الأجناس الأدبية إلى الملحمة من حيث الموضوعية. لقد كان هذا التصور منتشرا في انجلترا؛ حيث استعار "كولرج" الموضوعية والذاتية وكرر ما قيل في نظرية الملحمة، ومدح شكسبير كما لو كان إلها، واهتم "هازلت" ببيان التعارض بين الأدباء الموضوعيين مثل: "شكسبير" والذاتيين "ووردزورث". إن الموضوعية بمعنى غياب المؤلف، وإن اعتبرها العديد من النقاد معيارا للواقعية، فإن ويليك يتردد في ذلك؛ لأن ذلك يجعله يستبعد "ترولوب" و"إليوت" ... من دائرتها، وقد بينت الكاتبة "هامبرغر" في كتابها "منطق الشعر" أن قضية ظهور الشاعر في عمله يدعم الوهم الروائي الذي يسعى الروائي لتحقيقه، وإن الظهور في الرواية لا ينفي الواقعية عن العمل كما هو حاصل في أعمال "بكي شارب"، وطلب التاريخية في الواقعية هو المعيار الأخير الذي يمكن أن يعد بنتائج طيبة، وهذا المعيار ظهر في أعمال "جوليان" "سوريل" الذي وضع عالقة حيوية مع فرنسا في فترة إعادة الملكية مثلما صور بلزاك أحداث روايته في إطار مجتمع متحرك بعد سقوط الملكية.  
ومن نتائج هذا النقاش، استنتج "ويليك" أن مصطلح الواقعية لا يتحقق دون دمجه بالعديد من الخصائص المختلفة التي تركها الماضي، بالإضافة إلى النزوعات الفردية، وهو ما يجعل تحقق الموضوعية فيها أمرا لا تكاد يتحصل عند التطبيق، ومهما قيل في ذلك لا تنفك أيضا من نزعتها التعليمية والأخلاقية والإصلاحية، بالإضافة إلى هاتين الملاحظتين تظل الواقعية تبحث عن التوفيق بين الوصف والوصفة في سعيها لتحقيق النمطية، والواقعية أخيرا لا بد أن تكون تاريخية؛ لأن ذلك هو الكفيل بأن يجعلها مدركة للتطور الدينامي للواقع الاجتماعي.  إن الواقعية تخالف الرومانسية في شأن إعلائها للذاتية، وفي تأكيدها على الخيال، وفي طريقتها الرمزية، واهتمامها بالأساطير، وتقترب من الكلاسيكية في شأن الواقعية والموضوعية والنمطية والنزعة التعليمية، والفرق الأساس بينها وبين الكلاسيكية هو رفضها للمثالية الكلاسيكية، ورفضها للسلم التقويمي للمواضيع والمستويات الأسلوبية الثلاث، واستبعاد الكلاسيكية الضمني لبعض المواضيع. ومما يجب الإشارة إليه صعوبة تمييز واقعية ق 18 وق 19، غير أن جديد واقعية ق 19 هو ما أنتجه الوضع التاريخي لهذا القرن من صعود البرجوازية والهزات الاجتماعية والمعرفية والاقتصادية التي تحققت في هذا القرن، وهو ما جعلها تمتزج به في مواضيعها

. لم تستطع الواقعية البقاء في المستويات العليا لما كانت بين يدي كتابها الكبار، ولم تستطع الصمود، وهو ما جهلها تنحدر إلى مستوى الكتابة الصحفية.

  • الكلاسيكية كاصطلاح ومفهوم في التاريخ الأدبي
 أثار ويليك في هذا الفصل اصطلاحين "الكلاسيكية" و"النيوكلاسيكية"، ويرى أن استعمال هذين المصطلحين لم يكن بالشكل الحالي ولم يطلقه رواده عن أنفسهم، وكل ما هناك، هو وجود تقاليد أدبية ترتبط بتقليد القدماء، ومر وقت طويل قبل إطلاق هذا الاصطلاح على أسلوب "درايدن" و"بوب" ولم يكن إطلاقه إلا بسبب الحاجة المنهجية والتاريخية إلى ذلك، فظهر المصطلح في مقالات متعددة وفي عناوين هنا وهناك، مثل كتاب: من "أوبتز" إلى "لسنغ": دراسة للكلاسيكية الزائفة في الأدب "سنة 1885.
أما مصطلح "النيوكلاسيكية" فيظهر أكثر حيادا من الكلاسيكية وأكثر تحررا وتجددا منها خاصة في بريطانيا، غير أنه لم يكتب له النجاح، فمصطلح الكلاسيكية انتصر على باقي المصطلحات، و تميز وتفرد في فرنسا أكثر من بريطانيا أو ألمانيا.

إن تاريخ الاصطلاح للكلاسيكية يُظهر أن الكلمة استعملت في تصنيف طبقات المجتمع الروماني بإشارتها للطبقة العليا، وظهر المصطلح في اللغة اللاتينية بمعنى تمييزي قائم على طبقة كبار الشعراء في القرون الوسطى، وظلت تتضمن قيمة التفوق والتميز باعتبار ذلك، وأهم ما طورها هو حوارها مع الرومانسية، والتي دخلت معها في علاقات سجالية سواء بين الكتاب داخل البلد الواحد؛ كفي فرنسا بين لوي "برتراند" الذي ناهض الرومانسية ودافع عن الكلاسيكية، و"سانتيني" الذي انتقدهما معا، وأعلن أن الكلاسيكية والرومانسية ما هما إلا اصطلاحات والأسلم الجنوح إلى قيم الجودة والرداءة. هذه العلاقات السجالية حصلت بين البلدان كذلك؛ ففي ألمانيا وشعوب الشمال تم الارتباط بالرومانسية، في ما تم الارتباط بالكلاسيكية في فرنسا وشعوب اللاتينية، إن هذا السجال أكسب الكلاسيكية من حيث الابداع صفات الأسلوب، و من حيث "النقد" صفات النظرية النقدية. ومهما كان الأمر، فقد سادت الكلاسيكية في القارة الأوربية في القرن 19، و ظهرت بمعناها الاصطلاحي الأدبي لأول مرة في إيطاليا وألمانيا وفرنسا وإنجلترا، وروسيا، غير أن هناك اختلافا بين كل بلد؛ فالكلاسيكية الفرنسية بارونية الأسلوب، فيما الكلاسيكية الإنجليزية شديدة الصلة بعصر التنوير، والألمانية تبدو أكثر قربا من الرومانسية، إلا أن معانيها ترتبط بالجودة والموثوقية وبمعاني العالقة بالقديم، والتي ظهرت باعتبارها إنتاجات أدبية في ثالث كيانات كبرى، وهي الأدب الفرنسي في القرن 17، والإنجليزي في أواخر ق 17، والألماني في ق18، وتبقى الكلاسيكية الفرنسية والألمانية الأكثر موثوقية غير أن الكلاسيكية الفرنسية والإنجليزية الأكثر قدرة على الوصول إلى اللاتينية، وهو ما أكسبها انتشارا قويا.

  •  الرمزية كاصطالح ومفهوم في التاريخ الأدبي

يصعب تحديد الرمزية كمفهوم واصطلاح بسبب اتساعه، فالكلمة تعود إلى العصوراليونانية، ولها تاريخ طويل معقد، والأساس في اصطلاحيته هو قابليته لوصف أدب أوربا بعد نهاية الواقعية في ق 19، وتاريخ الكلمة هنا لا يتوافق مع تاريخ المفهوم؛ فالمصطلح يرتبط بـ 1886م من خلال المجلة الأدبية التي أسسها موريس باسم "الرمزي" ثم شاعت الكلمة بعد الثمانينات والتسعينات من ق19 ، وتنبأ سان أنطوان بكونها الاسم الذي سيميز الأدب الفرنسي في فترته.
 لقد انتشرت الرمزية وانتقلت من فرنسا إلى باقي الأقطار الأوربية. في بريطانيا والولايات المتحدة، وانتشرت كتابات "جورج مور" ومقالات إدموند غوس حول "مالارميه" وأعمال "بليك" واليوت" و"هارت كرين، وطوالس ستيفنز"، و"هنري جيمس"و"فوكنر" و"أونيل"، كل هؤلاء قدموا أعمالا أدبية ونقدية في إطار الرمزية، فلم يقدموا الأدب ولم يتلقوه إلا في إطارها، ولم يقتصر الأمر هنا بل طبقوا مبادئها لقراءة النصوص القديمة والمقدسة وكان ذلك بتأثير من الدراسات الأنثربولوجية خاصة أعمال"كارل ينغ".
     يختلف تأثير الرمزية في الأدب من قطر إلى آخر؛ في إيطاليا ظهر تأثيرها ضعيفا، غير أنه في إسبانيا كان قويا وجنح إلى غموض قوي وخاصة شعر الأورغوياني خوليو هاريراي، غير أن هذا الانتشار ضعف في ألمانيا، أما في روسيا فقد كان قويا بسبب علاقاتهم بالفرنسيين، وتأثرت الدول السلافية كذلك بالرمزية الفرنسية خاصة في بولندا من خلال أعمال الشاعر "فسبيانسكي"، وفي تشيكوسلوفاكيا ظهرت أعمال بريشيزينا، وسوفا.
         لقد تفاوت تأثير الرمزية الفرنسية من قطر إلى آخر ونجحت في بعض الدول كفرنسا وروسيا والولايات المتحدة، وفشلت في البعض مثل انجلترا وإيطاليا، ونشير إلى عزوف الشعراء في هذه البلدان عن التأثيرات الفرنسية، ونجاح تيارات أخرى كأحداث في الأدب الرومانسي، أما المحتوى الدقيق للمصطلح فيشير إلى تلك المجموعة الفرنسية التي دعت إلى الرمزية لخلق الإيحاء لا لخلق الخطابة، وتعني كذلك تلك الحكاية الأدبية الأوسع التي بدأت بنرفال وبودلير ... وتطلق أيضا على هذه الفترة كلها من تاريخ الأدب العالمي، وتختلف فيه عن الحركات الطليعية الجديدة كالتكعيبية والسريالية وغيرها، أما في مفهومها الأخير فإنها تعني استعمال الرمزية في الأدب ككل
.


  • الأدب المقارن: اسمه وطبيعته
أثار اصطلاح التركيب: "الأدب المقارن" جدلا في الساحة النقدية والأدبية، والبحث في معجمية الاصطلاح تفيد كونه مستعار من الكلمة اللاتينية " مقارن"، ووردت هذه الكلمة في بعض أعمال شكسبير، و"وليم فلبك"، و"المطران روبرت لوك "، إلا أن الأدب المقارن بمعناه الكامل لم يظهر إلا مع كتاب "تشارلز دبدن" في "تاريخ شامل للمسرح الإنجليزي"، أما الاصطلاح فظهر مع "ماثيو أرنولد" 1848 في عنوان كتابه المنشور في 1886.
لقد تأخر ظهور هذا المصطلح "الأدب المقارن" لعدم تقبل الانجليزية للتركيب الاصطلاحي أنذاك، ويفيد الجزء الأول من التركيب "الأدب" القراءة والكتابة في اليونانية، ثم تحول إلى الكتابات الأدبية، بعدها تمت نسبته إلى أشكال الإبداع، واختلفت هذه المعاني حسب البلدان الأوربية. أما مصطلح "المقارن" فظهر في مقال لـ"غوته" سنة 1790، ثم ظهر كعنوان لمجلة في ألمانيا وفي رومانيا، وعبر عنه بعلم الأدب أحيانا. ومن المعلوم أن اصطلاح الأدب المقارن يرد ضمن علم الدلالة، والمعرفة، والأدب، الشامل، والأدب العالمي الذي استعمله غوته 1827، وقد أثار هذا الاصطلاح خلافات حول مجاله وطرق البحث فيه، فهناك من اعتبره فرعا من فروع التاريخ الأدبي، وهناك من اعتبره دراسة العلاقات الروحية الدولية أو الصلات الروحية بين الآداب، ومن تعاريفه": علم حديث يهتم بالبحث في المشكلات المتعلقة بالتأثيرات المتبادلة بين الآداب المختلفة" ويحصر "فان تيم" الآداب المقارنة في العلاقات الثنائية بين الآداب.
 إن مفهوم الأدب المقارن ظل مرتبطا بمعناه الواسع، أي من خلال الوعي بوحدة تجاربة وعملياته الخلاقة في استقلال عن الحدود اللغوية، وهذا يتجاوز دراسة التأثيرات، كما يرى الأدب المقارن في دراسة الأدب خارج التراث الأوربي انطلاقا من الإيمان بوجوده في غير اللغات الأوربية. ودراسة هذه الآداب مع اختلاف لغاتها تطلب مفاهيم ومناهج؛ منها ما انصرف إلى دراسته كتاريخ ازدهار واضمحلال عند بيكون، أو دراسته انطلاقا من السير والبيبليوغرافيا في فرنسا، أو من خلال دراسة الموازنة بين القدماء والمحدثين، أو من خلال نظرة "وارتن" التي ترى الأدب كإبداع منفصل عن فروع المعرفة الأخرى. وهناك كذلك نظرة الأخوين شليغل اللذين طبقا فكرة التاريخ الأدبي ضمن سياق تاريخي تدعمه المعرفة الحقيقية بآداب الأمم.

والقوانين المنتظمة للأدب المقارن تعود إلى العصور القديمة، وتطورت مع الفيلولوجيا بما تضمنته من أفكار حول التطور والاستمرار ثم الانحدار، وهي الفكرة التي تبناها "داروين" و"سبنسر" و"برونتيير"، لقد تعامل هؤلاء مع الأدب المقارن كما تعاملوا مع الأنواع البيولوجيه، وهو ما رفض لاحقا بعد أفول الداروينية، لذلك اتجه المشتغلون بالأدب المقارن إلى التجريب.

  • الأدب المقارن اليوم

                لقد صاغ ويليك هذا المبحث انطلاقا من بحثه المعنون بـ: "أزمة الأدب المقارن" والمقدم في مؤتمر الرابطة العالمية للأدب المقارن المنعقد في "جابل هل" 1958، وفيه رأى إصابة أحد نقاده حول المفهوم الميكانيكي للمصادر والمؤثرات، لقد صيغ هذا المفهوم إيمانا بالتأثير والتأثر بين الآداب العالمية والشكلية، وتصور في هذه القضية أن الأدب المقارن سيكون من أتفه المواضيع إن لم يخضع للمعايير الإستيتيكة، فدشن بذلك نزعة أدبية تدعو إلى التوفيق بين آداب الشعوب، وهو ما جر عليه نقد الروس في المؤتمر .ورغم انتقاد تصورات "ويليك" للأدب والأدب المقارن فإنه يعترف بتضمن الأدب مشكلات كثيرة وقضايا جديدة، ولا ينفي كونه معرفة منظمة، وهو ما يتطلب ضبط حدود كل فرع وموضوعه ومناهجه، من حيث كون موضوعه مملوء بالأسماء والبيبليوغرافيا والتواريخ الأدبية، وهو ما ينتفي معه العذر بجهل المؤرخين والأسماء والتواريخ، كيفما كانت أصولهم.

              لقد انتقد ويليك في هذا البحث وفي نظرية الأدب خاصة ما تعلق بالتاريخ الأدبي خاصة في روسيا حيث الأدب المقارن ممنوع، واتهمه الروس بالسعي لتجريد الأدب من قوميته وكونه تعبيرا عن واقع اجتماعي، لكنه يرى أن ذلك ما هو إلا سوء فهم سرعان ما تبدد بتدخلات نقاد آخرين صححوا مسار الفهم، متهمين إياه بالفصل بين الشكل والمضمون، وفض التاريخ الأدبي، والخلط بين التاريخ الأدبي ونظرية الأدب.
  • أزمة الأدب المقارن

يعاني البحث الأدبي من صراع المناهج، رغم الإيمان السائد بثوابت الحقائق الأدبية القادرة على بناء هرم المعرفة، إن أخطر ما يواجه البحث الأدبي هو عدم قدرته على تحديد منهجه ودائرة عمله، والأدب المقارن في ظل هذا الواقع يظل مميزا بسعيه الدائم لمحاربة عزلة تواريخ الأدب الوطنية، فتصور الأدب المقارن للأدب أكثر تماسكا رغم اختلاف تصورات النقاد له بين من يراه دراسة في العلاقة بين الآداب ، كما هو حال "فان تيم،" وبين من يراه في الأنماط السائدة، وبين من يراه في التأثير والتأثر، كدراسة "ولتر سكوت" . إن دراسة الآداب كتجارة خارجية مضيعة للجهد؛ لأن هذا يعني حصر الاهتمام بالخارجيات فقط. أما مناهج هذه الدراسات فقد فشلت كذلك، ولتمييز الأدب المقارن من الوطني يرى "فان تيغم" أن الأدب المقارن يهتم بـ الأساطير والحكايات التي تحيط بالشعراء، وتوسعت هذه الدراسات لتشمل الأوهام والآراء الثابتة للأمم, إن كل هذه الآراء عبارة عن عثرات، منها ما ارتبط بالمصادر والتأثيرات، ومنها ما ارتبط بتتبع تاريخ المواضيع الأدبية، ومنها ما تتبع التطورية وذات البعد الإنساني المؤمن بالنزعات الإنسانية؛ كالإنسان الخارق عند نيتشه، وصوفية تولستوي...كل هذه الأشياء تمثل مفارقات اجتماعية وسيكولوجية للأدب المقارن كما مورس بعد ظهوره كرد فعل ضد القومية وانعزالية بعض الأدباء والمؤرخين في فرنسا وألمانيا..,. ودراسات الأدب المقارن من طرف هؤلاء تحضر فيه وطنية واضحة تغزوها الرغبة في تنمية مدخرات الأمة، إن هذا الاعتماد على القومية في دراسة الأدب المقارن، والاعتماد على التحديد المصطنع لمادة البحث ومنهجيته والمفهوم الميكانيكي للمصادر والتأثيرات هي أعراض لازمة للأدب المقارن، ولابد من إعادة النظر فيها وتصحيحها. ولدراسة الأدب المقارن لابد من مسح الحدود بين الأدب المقارن والأدب العام، لأن خارج الأدب القومي لا يوجد غير الأدب المقارن.
إن كل بحث أدبي حقيقي يكون معنيا بالحقائق والقيم لارتباطهما بالعقل تاريخيا ونقديا، ولذلك يتطلب هذا البحث تحديد موضوعه عن طريق فصله عن تاريخ الأفكار، والمفاهيم العاطفية لأن العديد من باحثي الأدب يتركون الأدب ويهتمون بتاريخه والأقوال الشائعة عنه، إن البحث الأدبي هو الذي يبحث الأدب في موضوعه بعيدا عن المؤثرات فيه السيكولوجية والسوسيولوجية، وهذا يتطلب دراسة داخلية له في علاقة بكاتبه ومجتمعه. ولابد من إعادة النظر في البحث الأدبي والأدبي المقارن نظرية ونقدا وتاريخا، ولا يجب النظر إليه كجزء من معركة للحصول على مزايا ثقافية للوطن بل يجب النظر إليه بحيادية علمية ونسبية تاريخية بعيدا عن الأباطيل القومية واللعب بمخلفات الماضي، فالكف هن هذه السلوكات هو الحل لأزمة الأدب المقارن وللأدب عموما.


  •    نظرية الأنواع الأدبية والقصيدة والتجريب 
لم  تعد  الأنواع الأدبية تحتل صدارة البحث لأن التمييز بينها لم يعد ذا أهمية، ومن بين الدراسات المنصرفة لهذا الموضوع نذكر فصلا في الأنواع الأدبية  تناوله "ويليك" في "نظرية الأدب"، ثم دراسة في "مبادئ البويطيقا" لـ"شتايغر"، و"منطق الشعر" لهامبرغر. يميز
هؤلاء بين أنواع الشعر اعتمادا على أصول فلسفية فـ"هامبركر" تعتمد على الظواهرية، وشتايغر على الوجودية.
        تُميز "هامبرغر" بين أنواع الشعر باعتبار المتكلم؛ فالشعر القصصي وهو الملحمة تتكلم فيه شخصيات غير المؤلف، والغنائي يعبر عن الواقع، ويتكلم الشاعر فيه بنفسه، والمحاكاة وهي المسرحية، وتتكلم فيها الشخصيات كذلك، كما اعتمدت في التفريق على الزمن؛ ففي السياقالقصصي قد يحضر الزمن فاقدا وظيفته؛ إذ يمكن أن يتحول ويوظف في الزمن الحاضر، ومن المعايير كذلك عند "هامبركر" التعبير عن الواقع كما يحدث في الشعر الغنائي وله وظيفة فيه.كما يمكن إجراء بحث خارجي عن المتن؛ كالبحث في شخصية المؤلف وسيرته لتفسيرالقصيدة الغنائية، وهذه ميزة لها لا نجدها في القصة.ومما يؤرق نظرها هي استعمال القصيدة الغنائية في الرواية، هل هذه جزء من القصة أم أقوال حقيقية؟ وتثير هذه القضية مجموعة من الأعمال كقصيدة "الأدوار" وترى أنها جديرة بالإهمال ضاربة القصائد الشعبية والمستعربة التي تعود للقرن .11 ويرى ويليك أن "هامبركر" كان يمكن أن تعتبر رواية المتكلم في الرواية كمعاملة الغريب في القصة والملحمة، فهي تصر على أن الرواية التي يرويها المتكلم لا تنتمي إلى عالم القصة، بل هي نوع من النطق الحقيقيولا تواجه "هامبركر" قضية التحول من أسلوب المتكلم إلى الغائب أو العكس لشيوع مثل هذه الانتقالات، ونشير إلى نماذج من ذلك في رواية "هاينرخ الأخضر" لكلر، فأسلوب المخاطب يمكن أن يروى بأسلوب الغائب، وترى أن هذا الأسلوب يعيد الحياة لمفهوم المحاكاة الأرسطي كما أعاده أورباخ.
       إن التقسيمات التي أتت بها "هامبركر" تعود في الحقيقة لأفلاطون والذي ميز فيها بين ثلاث أنواع من المحاكاة؛ الرواية الخالصة أي رواية الشاعر ذاته، والرواية بالمحاكاة، يتكلم فيهاالشاعر من خلال الشخصيات، والرواية المختلطة تارة بكلام الشخصيات وتارة بكلام الشاعر نفسه.
           إن هذه القسمة تثير الانتباه في كتاب "جون بول "" مقدمة إلى الاستيطيقا" الذي دعا فيه
إلى النظر للشاعر من خلال نظرته للفلاسفة إما باعتبارها علاقة فوقية أو تحتيةلقد توصلت "هامبرغر" إلى تقسيم ثنائي فصلت الشعر إلى جزأين؛ قسم يروي وآخر يقول، قسم ينتمي إلى القصة وآخر إلى النطق الحقيقي، على الرغم من أن العديد من النظريات ترى القسمة ثلاثية، للدفاع عن القصيدة الغنائية والملحمة والتراجيديا، ولب المسألة هو الربط بين الغنائية والماضي وهو ما يناقض حضور الغنائية ومباشرتها.
            يعتبر التقسيم الثلاثي للأنواع الأدبية من أهم التقسيمات في تاريخ الأنواع الأدبية، وحاولت "إيرينه بهرنز" أن تبين أنه جاء نتيجة للتفكير النظري في القرن  18، واعتبرت أن كتاب "شارل باتو "الفنون الجميلة من خلال مبدأ" واحد هو المسرب لهذه الأفكار في الأدب الألماني، ويرد التمييز في كتابات أخرى عند درايدن في إنجلتراغير أن مع ظهور فلسفات أخرى ونظريات جديدة كنظرية المعرفة ظهر تقسيم آخر، هذه المرة مع "شلر" الذي تحدث عن الشعر الهجائي والرثائي والرعوي، وغير شليغل كثيرا من هذه الأفكار وتحدث عن الشعر الغنائي والذاتي والدرامي الموضوعي والملحمة الذاتية والموضوعية، والملحمة أصل الكل، والنقطة الوسطى بين الدراما والغناء، وربما تأثر شليغل بديالكتيك أخيه الأصغر. وتظهر هذه الجدلية في حديثه عن هيمنة الذات الشاعرة في القصيدة الغنائية، وفي الملحمية تهيمن الموضوعية، وتمثل الدراما وحدة القصيدة الغنائية والملحميةوعند فان هامبولت، ظهرت الأنواع والأبعاد الزمنية ، فقد طور نظرية شلر وقسم الشعر إلى تشكيلي وغنائي، والتشكيلي إلى ملحمي ودرامي، وهذا يعد أول ربط للتقسيم بالزمن، وفي كتاب "فلسفة الفن" ترتبط الملحمة بالماضي والقصيدة الغنائية بالحاضر.
       لقد وجدت هذه النظريات صدى لدى الإنجليز والأمريكيين، ولم يتمكنوا من ترك الصلة بين الأنواع والزمن، وهذا ما ظهر في كتاب "البويطيقا" لـ"دالس" وفي أنواع الشعر لـ"جون إرسكين" .
إن أفكار "شلغل" و"هامبوركر" تستمد أصولهما من الفكر الإستيتيكي المنتشر بأوربا، وأدى تطور الأنواع الأدبية إلى ظهور ما يصطلح عليه التجربة، والذي طوره "غادامير"، وتعود هذه الكلمة إلى أقوال مبكرة ل"شتورم"، ثم وردت في أعمال "شلاير ماخر" ،  1870 وامتدت إلى الحقل الديني، والى أعمال "نوفالس"، "وهولدرلن"، إن مفهوم التجربة ذو محتوى نفسي ولديها القابلية للخلق الفني بذوبانها فيه.
لقد استعملت كلمة التجربة متعلقة بسيرة الكاتب وحياته وأحداثها، وصنفت إلى درجات، منها التجربة الفكرية والمادية والشكلية؛ بمعنى أن كل شيء في الشعر تجربةإن العلاقة بين التجربة والقصيدة تؤدي إلى طريق سيكولوجي لا نفاذ منه، طربق يقوم على ما يفرض وجوده في حدة العاطفة وخصوصية التجربة ومباشرتها، والخروج من هذا المأزق.

  • الشاعر ناقدا والناقد شاعرا والشاعر الناقد

هل يمكن للشاعر أن يصير ناقدا؟ سؤال جوهري بدأ به "ويليك" موضوعه مستعرضا أنواع النقد عند "إليوت" وهي النقد الخلاق، والنقد التاريخي، والنقد الأصيل، ويرى إليوت أن النقد الأصيل هو نقد الشاعر الناقد، غير أن نقد الشاعر يبقى ناقصا لكونه يجعل كل شاعر يدافع عن شعره. وفي سياق مواز، يرى "أودن" أن الآراء النقدية للشاعر تكون غالبا جدلا نفسيا، ويرى ويليك أن نقد الشاعر لشعره ضيق الأفق ضاربا مثالا لذلك من الشعراء الإنجليز.
ويرى ويليك كذلك أن الشاعر وهو يلقي قصيدته لا يهمه أن يعرف قيمة قصيدته، وقد لا يستطيع أن يؤدي وظيفة النقد، وبالتالي فوظيفة النقد بالنسبة له ليست أساسية، مدعما رأيه برأي "ويلد" الذي يرى أن الشاعر أبعد أن يكون أفضل النقاد، لأن الفنان الحقيقي لا يستطيع الحكم على أعمال الآخرين, غير أن هذا الرأي لم يكن نهائيا إذ سرعان أن راجع ويلد موقفه ودعا إلى "النقد الخلاق"، نقد يصنع عالما متخيلا لا ينتهي وقابلا للمراجعة دائما. ولم يقف الأمر عند النقد الخلاق، بل وظهر النقد الأسطوري عند "فراي" والذي اعتبره ويليك "اختلاقا" تضيع فيه العلاقة بين المعرفة والعلم والفكر. 
إن غزو الشعر للنقد لم يخدم النقد، كما أن غزو الشعر للنقد لم يخدم الشعر، هنا يتساءل ويليك ألا يعتبر النقد الذاتي أهم أنواع النقد؟ ثم يطرح بعد ذلك إشكالية الشبه بين التأليف والنقد لرهافة الحدود بينهما، ويرى أن هذا الموضوع نوقش من خلال قضية الطبع والصنعة، وبين اللاوعي والوعي, غير أن رأيه استقر على أن الشاعر لا يقل شيئا عن عملية الخلق الفني. لقد دافع الشعراء عن الشعر ضد النقد والعلم والعقل، ورأوا أن النقد ينتمي للفلسفة ، والشاعر لا يجب أن يضيع وقته في الفلسفة، أما النقد الأصيل فهو النقد الفني الذي يزاوله الشاعر على شعره بعيدا عن النقد العقلي المملوء بالمعايير.
يعتبر "إليوت" من بين الشعراء النقاد الذين يتقلبون في مواقفهم من الشعر والنقد، فقد انقلب في مرحلة تاريخية واعتبر أن الشعر في حاجة للنقد والتفسير واعتبره شرا لابد منه، وذلك بسبب إيمانه بعدم وجود المعنى الموضوعي في العمل الفني، ويرى أن وجود تفسيرين مختلفين أحدهما صحيح والآخر خطأ في العمل الفني لا يفسر بخطإ أحدهما، والأمر راجع لما سماه سوء الفهم الخلاق الناتج عن عدم وجود معنى صحيح للنص.
وعموما، يمكن القول إن إليوت يوجد ضمن من انقلب على النقد، ولم يكن هذا الانقلاب عاما إذ ظل "جون كرورانسوم" و"ألن تيت" مدافعين عن النقد، متأثرين بالفلسفة ، لقد حصرت نظرية النقد عند رانسوم في التمييز بين الكلمات كمعان ومداها كصوت، وبين المعنى المحدد وغير المحدد، وينصب اهتمامه على علاقة الصوت بالمعنى والكنايات والمعجم، وأدت دراسة رانسوم إلى استنتاج ثنائية البنية والنسيج بصور مختلفة كالتعارض بين الأنا والهو الفرويديين، لقد نجح في إعطاء النقد دلالة، وأصبح ممكنا تقسيم النقد إلى نقد جمالي وآخر إيديولوجي. أما "آلن تيت" فقد دافع عن الأخلاقية في إصدار الأحكام، وهاجم الطريقة الأكاديمية في  تعليم الأدب؛ لأن الأدب يرتبط بالمتعة، فهو احتفال بالعالم، احتفال يشوهه العلم، لقد بحث هذا الناقد قضايا كثيرة منها قضية تعليم النقد، ويرى استحالة تعليمه، وأن ما يمكن تعليمه هو توصيل كيفية النظرات الثاقبة للآخرين، ويتساءل ويليك عن كيفية إيصال تلك النظرات للآخرين، منتقدا الكثير من أفكار "تيت" المرتبطة بالتصور وبالوضع التعليمي بالولايات المتحدة. يرى العديد من الباحثين أن اتحاد الشاعر بالناقد اتحاد قلق ولا يعود بالخير على النقد ولا على الشعر، وهذا التخصص الذي ميز نقد أوائل القرن العشرين لا يخدم الفن ولا النقد ولا البحث؛ لأن الحاجة تكون في الكمال والاكتمال وفي التوفيق بين النقد والشعر والبحث، وبين الوعي واللاوعي.

  • الدراسة الأسلوبية والبويطيقا والنقد الأدبي

أثارت الأسلوبية نقاشا يتعلق باستقلاليتها أو تبعيتها للغويات والأدب، ويرى ويليك أن الأسلوبية لا بد أن يكون لها صلة بهذه العلوم والأدب، وتنقسم الأسلوبية إلى حقلين: دراسة الأسلوب في الكلام العادي ودراسته في اللغة الأدبية، فالحقل الأول يمثله:"بالي"، ويهدف لدراسة أساليب التعبير العادي الشفهي والكتابي، وهذا النوع من الدراسة يعود إلى أرسطو، وامتدت لتقارن بين الأساليب في اللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية.
        إن دراسة الأسلوب بالمعنى المقارناتي ووسائله يفترض إدخال كل المقولات اللغوية بغض
النظر عن اللغة المستعملة، وهذا النوع من الدراسات يدخل ضمن اللغويات وبالتالي لا يمكنها الاستقلال، وأكبر مشاكل هذا النوع من الدراسات يحدث بالانتقال إلى دراسة الأسلوب في الأدب، هنا يثور الأدب مما يتطلب الوصف المفصل الذي يؤدي إلى وصف جماليته، والمزايا التي يتصف بها العمل الفني. ويرى ويليك أن الأسلوبية جزء لا يتجزأ من اللغويات التي تتضمن الشعرية، فتكون اللغة بذلك مدخلا أساسيا لدراسة الأدب، والتفكير في العلاقة بين اللغة والأدب حملت "رومان إنغاردنعلى القيام بتحليل ظواهري للأدب فأسس مفهوما طبقيا للعمل الفني بحيث كل عمل يتكون من طبقات صوتية تؤسس المعنى الذي يختلف عن عالم الأشياء، وتاريخ الأدب يزود بكثير من الأمثلة التي تثبت صحة هذا الرأي، فكثير من الأعمال لا تثبت استقلالية اللغة عن الأدب. وقد استعمل الأسلوب بشكل يتجاوز مفهوم الأسلوب كلغة خاصة في البحث الأسلوبي ليشمل الشخصيات والمواقف والحبكة...، وعاد هذا الاصطلاح إلى الدراسة الأسلوبية بعد تحوله من معناه التاريخي المرتبط بالنحت والعمارة والفن المرتبط بتاريخ الفن، إن إيراد هذا السياق التاريخي يمنح إحساسا بوحدة الفنون، غير أننا نستطيع التمييز بين البويطيقا والأسلوبية؛ فهما نوعان من الدراسة يهدفان إلى تحديد المميزات في الأسلوب اللغوي وتصنيفاته بشكل موضوعي وبشكل إحصائي كمي أو حاسوبي، وعلى الرغم من أن هذه الدراسات الكمية تقدم بعض الوظائف غير أنها تطرح إشكال التقويم، مما يؤدي إلى إفراغها من قيمتها، لذلك وجب مواجهة إشكالية النقد كتقويم، لأن العمل الأدبي أكثر من خصائص وحقائق، والطابع الأسلوبي قائم على الوصف بما يجعله عملا نقديا كذلك.
إن العمل الأدبي يرتبط بالقيمة الإستيتيكية، والأسلوب منفصلا عن كلية العمل الفني لا
يفيد في رصد تلك القيمة، إذ تبقى معايير أخرى تضيف جمالية كالقدرة على التوصيل والوضوح التي تقدمها البلاغة، فالقيمة إذن لا ترتبط بالأسلوب فقط .
        إن التقويم الشامل للعمل الفني لا يقوم على التحليل اللغوي أو الأسلوبي فقط بل يجب
أن يكون كليا ينظر في اتساق العمل وتناسقه في ذاته وفي علاقاته بالواقع ومغزاه الاجتماعي
والإنساني.
  • خريطة النقد المعاصر في أوربا
تعد معرفة حالة النقد بأوربا إحدى ضروريات التأريخ للأدب، غير أن معرفة هذه الحالة أمر ليس باليسير، فجغرافية النقد في أوربا يطبعها التباين، وأول نتائج البحث في الموضوع هو استنتاج ويليك لاتساع الفجوات بين كل تراث قومي وآخر، رغم محاولات تجسير العلاقات
هذه المحاولات تظهر في كثير من الكتابات النقدية المتبادلة، والتي تبين بعضا من الاهتمام، ومنها كتابات "باوند" و"إليوت" عن الأدب الإنجليزي، كتابات "ترافرسي" الويلزي عن شكسبير الإنجليزي، كما كتب كثير من النقاد في مشكلات النقد والمواضيع الأدبية والتأملات الفلسفية في  ودور كل نقد وأدب بالنسبة لبلد الانتماء، وبالنسبة لأوربا؛ فقد كتب "ربسن" في أهمية الأدب الإنجليزي في تهذيب النفس والحياة الأخلاقية بالنسبة للآداب الأوربية
لقد كتب هؤلاء الكتاب على اختلاف انتماءاتهم القطرية في مشكلات الأدب والنقد والفن  متأثرين أحيانا بالمنهج التاريخي، وأحيانا بالفلسفة التحليلية ، والفلسفة الماركسية، غير مبالين بالقطرية؛ فقد ظهر لوسيان كولدمان أكثر المتأثرين بالماركسية الألمانية، وظهر العديد من الكتاب أيضا متأثرين بفلسفة فيدكنشتاين التحليلية
إن تتبع خيوط التأثير والتأثر في خريطة النقد الأوربي يجعلنا نستنتج الطابع الاختلافي وعدم التجانس بين الأقطار في التوجهات، كما نستنتج الطابع التأثري المتبادل بينها واختلاف النظريات، وفي الجانب الآخر الشيوعي من أوربا فإن ما يميزه هو سيطرة مذهب نقدي رسمي غير قابل للنقد واعادة النظر، فسجن بسبب ذلك العديد من النقاد منهم "سينافسكي" ولم يسمح بالعمل إلا للشكليين على شرط قبول العمل إلى حد ما بالماركسية.
  • الاتجاهات الرئيسة في نقد القرن العشرين

أهم ما ميز نقد القرن العشرين هو الوعي بالذات، غير أن تأثير نقد ق 19مازال مستمرا، فمازال التقويم الانطباعي والتفسير التاريخي والمقارنة الواقعية حاضرا، فيلاحظ من خلال ذلك استمرارية هذه المذاهب بشكل عالمي، في نفس الوقت استمرار الخصائص الوطنية وحضورالتفرد القطري في أوربا.
تعود جذور الاتجاهات الجديدة في النقد إلى الماضي، ونستطيع أن نميز فيها ستة اتجاهات: النقد الماركسي، والنفسي، واللغوي الأسلوبي، والشكلي، والأسطوري، والفلسفيالنقد الماركسي: انبثق نظريا وتذوقا من النقد الواقعي ق ،19ثم تطور في الاتحاد السوفياتي مما يسمى "الواقعية الاشتراكية،" ويقوم على الوصف الواقعي الأمين، والوصف العميق للبنية، انتشر خارج روسيا في الولايات المتحدة، وفي إنجلترا، ويكون هذا المذهب في أفضل وضعياتها لمّا يصف ويكشف عن المعاني الاجتماعية في العمل الأدبي.

النقد النفسي: يهدف إلى قراءة عمق العمل، يعود لفرويد، وأفكاره ترتبط بالتحليل النفسي
خاصة في جانبها الطفولي والعقد والأحلام، وهذا معناه أن الأدب هو مخزون من الأدلة على جانب اللاوعي من حياة الإنسان.
النقد اللغوي: يقوم على قولة "مالارميه" كون الشعر لا يكتب بالأفكار بل بالكلمات، أسس انطلاقا من أفكار "جمعية دراسة اللغة الشعرية في روسيا" التي كونت نواة الشكلية الروسية، اهتم بالطبقات الصوتية، والتوافقات اللغوية، وامتدت أفكاره للأسلوبية التي لاقت نجاحا كبيرا خاصة في روسيا وأوربا باسثتناء أنجلترا، وقد ظهرت في ضوءه نظريات كثيرة منها نظريةريشاردز.
      النقد الشكلي: بدأ في ألمانيا ودخل لإنجلترا، ومن رواده "كولرج"، وقد امتزج بالسيكولوجية وعلم الدلالة، وهيمن فيه كروتشه في إيطاليا، وغيورغه في ألمانيا، وبول فاليري فيفرنسا.      النقد الأسطوري:  نشأ في أحضان الأنتروبولوجيا الثقافية، واليونغية المرتبطة باللاوعي، انتشربإنجلترا، والولايات المتحدة، اهتم باكتشاف الأساطير الأصلية للإنسان، لقد حل في الولايات المتحدة محل النقد الجديد، ويهدف إلى الوصول إلى نظرية شاملة في الأدب
النقد الوجودي الفلسفي: هيمن على الحياة الفكرية في فرنسا وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، من كتابها الكبار في ألمانيا هايدغر، كيركغور، وفي فرنسا جون بولسارتر، يدعو هذا المذهب إلى الفهم الميتافيزيقي للفن والأدب والتعامل معه بالمسؤولية، وظهر ممتزجا بالرمزية والسريالية والتومائية. يتعاطف ويليك كثيرا مع النقد الأسطوري والوجودي لارتباطهما بالنفس الإنسانية وظروف الإنسان، غير أن هذه المذاهب لم تستطع تقديم أي حل لمشكلات النظرية الأدبية. 
هذه حصيلة القراءة لكتاب "مفاهيم نقدية"، كتاب كشف فيه "ويليك" عن تصوراته للمفاهيم النقدية المهيمنة على النقد العالمي، تتبعها بحس تاريخي ونقدي عميق؛ تصورا وممارسة في علاقتها بذاته وفي علاقتها بنظرية الأدب.

هناك تعليق واحد: