الأربعاء، 27 يناير 2016

الصمت في الخطاب التربوي

الصمت في الخطاب التربوي
بقلم: السعيد رشدي                       
يتأسس الخطاب التربوي على غايات حميدة ترتبط بتربية الفرد تربية صالحة؛ ولأجل ذلك، فإنه يستهدف الناشئة بمناهج وبرامج وبيداغوجيات علمية تقوم على التعلم. ولتحقيق الكفايات التعلمية على اختلاف أصنافها، تتبنى البرامج التعليمية طرقا وأساليب تربوية ملائمة ومستقاة من نتائج البحث التربوي، هذه الأساليب تختلف من مكون تربوي إلى آخر، والبحث في بيداغوجيا المكونات الدراسية يبين وجود مكون الصمت ضمن الآليات البيداغوجية المساعدة على نجاح التعلمات.
 وإذا تصفحنا المراجع التربوية في تعليم اللغات في كل الأنظمة التربوية، نجد القراءة الصامتة حاضرة باعتبارها مكونا أساسيا في التعلم.
 في هذا المكون، يتم استثمار الصمت لتمكين المتعلمين من استضمار النسق اللغوي في بنية الحروف، قراءة وكتابة، وفي معاني المفردات والجمل والنصوص، وذلك لتحقيق الفهم الذاتي للمضمون التعلمي، حيث تعقب هذه الفترات أسئلة تقويمية لقياس مدى تحقق الفهم والإدراك؛ فأثناء القراءة والكتابة تتم الدعوة إلى إجبارية التعامل البيداغوجي مع وقفات الصمت التي ترد في بنية النص؛ من خلال علامات الترقيم خاصة علامات الوقف، هذه العلامات هي دوال الصمت في النصوص، وهي التي توظف لتقريب المعنى من جهة، وللأداء القرائي من جهة أخرى.
إن علامات الوقف تنهض على الصمت سيميولوجيا بما يفضي إلى الإحاطة بالمعنى وتوجيهه؛ فهي تفيد نهاية المعنى عند النقطة، والانتقال من غرض إلى آخر ضمن نفس السياق عند الفاصلة، كما تفيد بيان العلاقة بين الجمل عند النقطة الفاصلة، وكما تحيط بالمعنى فإنها تساهم في البناء الفني للنص فتنأى به عن ركامية الحروف والكلمات إلى فضاء بصري تشكيلي أرحب.


ولتوظيفات الصمت في الخطاب التربوي مظاهر كثيرة:
·       من حيث الدلالة
يؤدي انتشار علامات الترقيم والبياض داخل النصوص إلى تحقق تفاعلات معرفية وسيكولوجية أثناء القراءة؛ وخلال ذلك يتم استقبال المعنى.
·        من حيث الإيقاع
يؤثر الصمت من خلال علامات الترقيم في تشكل إيقاع النص قراءة وكتابة؛ فالنقطة مساحة صمت طويلة، تقطع امتداد الصوت الذي كان قبلها، والنقطة-الفاصلة مساحة صمت أطول منها، والفاصلة مساحة صمت خفيفة، وحيث لا توجد هذه العلامات فإن الصوت يكون ملازما للنَّفَس. وهو بذلك دعامة من دعامات الاقتصاد اللغوي، فكثيرا ما يساعد الكاتب والقارئ معا على تبليغ المعنى، وتلقيه، وتوجيهه، واختصار المسافات، حسب ما يفرضه الموقف الكلامي وسياقه.
ولا يتجسد الصمت في القراءة فقط بل كذلك في الكتابة الإنشائية؛ حيث يُدعى المتعلمون إلى تعلم كيفية ضبط مواقعه والتأشير عليها بالعلامات المناسبة، ويتم استثماره أيضا من خلال الوقف في ترتيل نصوص القرآن الكريم.
ولا يتم التعامل مع الصمت في الأنشطة الصفية فقط، بل كذلك من خلال أنشطة موازية وألعاب تربوية داخل الفصل والمؤسسة، ومن نماذج ذلك أنشطة اللعب التربوي نحو تقنية التنشيط المعروفة بـ:"المكرفون السحري"؛ حيث يلزم  كل متعلم التزام الصمت إلى أن يتسلم "المكرفون"، مما يشكل دعوة إلى الصمت والإنصات إلى المتكلم، وتنظيم الحوار، والاعتراف بالآخر وتأسيس ثقافة الاختلاف.


·       من حيث أداء الدرس
إن من شروط الأداء البيداغوجي الجيد للدروس ضبط فضاء التعلمات وعدم السماح بالتشويش والفوضى، وتحقق هذا الظرف رهين بفرض سيادة الصمت في الفضاء وبين المتعلمين، يلي هذه المرحلة تناولُ المادة العلمية بالإجراءات التدبيرية للدرس، في ظرف يسوده ترتيب النقاش وتنظيم الحوار والتدخلات والمناولات.  
يكتسي تربية المتعلمين على استثمار النصوص القرائية والكتابة من خلال الصمت بعدا تربويا هاما؛
-      أولا: لأن الصمت يخدم العملية التواصلية في الفصل وفي المؤسسة والمجتمع.
-      ثانيا: يؤدي وظيفة تعليمية قائمة على فهم النصوص وإفهامها.
-      ثالثا: يؤدي إلى المساهمة في نشر قيم الاحترام وتقدير الاختلاف.
-      رابعا: تنظيم وضبط الأداء البيداغوجي في فضاء التعلمات.

 وضبط وتدبير هذه الفضاءات، يعد من السمات الفارقية بين المربين والأنظمة التعليمية.