الأحد، 15 نوفمبر 2015

رسالة باريس


بقلم السعيد رشدي

عن ماذا بحث الإرهاب في باريس؟ ماذا حقق؟ ومن استفاد؟ من الضحية؟ ومن الجلاد؟ اشتعلت النيران، واحترقت الجثث، وانتشرت أصوات البنادق والتفجيرات بين الأسوار وفي الساحات، حل ظلام باريس قبل الأوان في ليلة من ليالي أنسها، ورياضتها، ومسرحها، وثقافتها، وحياتها.
الذين استعجلوا ظلام باريس وأجهدوا النفس فيها قتلا وفتكا وتفجيرا هم، في بداية الحكاية، أولئك الذين انتعشت أسهمهم في سوق المقاصل في بغداد ودمشق والقاهرة. وفي وسط الحكاية، هم أولئك الذين ذَبَّحوا النساء والولدان والشيوخ في سنجار والرقة ودمشق والقاهرة. وفي نهاية الحكاية، هم أولئك الذين رحلوا إلى باريس للقتل والتفجير، وأولئك الذين ارتحلوا إليها لتقديم آيات العزاء أو أرسلوا رسائل المواساة متظاهرين بكونهم  ضحايا. إنها مسرحية أكبر من مسرحية باريس، المخرج المستفيد والجمهور المستمتع هم البغدادي والأسد والسيسي واليمين المتطرف في أوربا، والضحية فيها شعب فرنسا وإنسان فرنسا ومسلم فرنسا.
الذين قصدوا باريس، حاملين سلاح الموت في حقائبهم، وأسفار البؤس في محافظهم، وقدموا جوازات اليأس في سفرهم، لتفجيرها، وتعزية ضحاياها، وإسكات ألحانها، وإطفاء أنوارها، وإذلال مسلميها، وتخريب مساجدها، وحرق كنائسها، وتدمير ثقافتها، وتشجيع متطرفيها، لا إيمان لهم ولا دين، ولا تراث ولا حضارة، هم أولئك العدميون العابثون الذين لا يتقنون غير صناعة الموت في العراق وسوريا ومصر وباريس، هم أولئك الجاثمون على إرادة شعوبهم، هم أولئك الذين يقتلون الشعوب من أجل الأبناء، وأيضا هم أولئك الذين يساندون من يقتل الشعوب من أجل الأبناء في باريس ولندن وواشنطن. أما الضحايا، فهم أولئك الذين ليس بين حياتهم وموتهم سبب طبيعي في الشرق والغرب، هم أطفال ونساء وشباب سوريا والعراق في الداخل وبلدان اللجوء، وهم أيضا أولئك الذين تدمع عيونهم عند رؤية شقاء الإنسان ومحنه وهو يصارع الموت من أجل البقاء في كل حين ومكان.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق